عابر سبيل – العدد 131
عابر سبيل لهذا العدد هو الدكتور عبد القادر فارس والعبور بعنوان : مذكرات حمار !!
عابر سبيل لهذا العدد هو الدكتور عبد القادر فارس والعبور بعنوان : مذكرات حمار !!
***********
بعد تمحيص وتفكير , قرر كبير الحمير أن يكتب يومياته في مذكرات , لتبقى عبرة ودروسا , يُدوِّن فيها ما مر به من أحداث في حياته , لتكون تذكرة لباقي الحمير , ممن لا يحسنون التدبير , في زمن بات كل شيء فيه يخضع للتغيير , بعد ربيع البغال والحمير في كثير من البلاد , حيث طالبوا بأكل ما لذ وطاب , من الكرز والعنب والعناب , بدلا من التبن والبرسيم والشعير.
جلس كبير الحمير إلى جهاز الكمبيوتر , بعد أن أخذ دورة عند صديقه ” البغل ” الذي تربطه به صلة قرابة , في مؤسسة ” مايكرو- زفت” لتعليم أصول الطباعة , ولأن الحمير من طبعها الطاعة , فقد تمكن كبيرهم من استيعاب دروس الكمييوتر جميعها في أقل من نصف ساعة , ولأنه سريع الفهم , فقد شحذ ذاكرته , بعد أن شحنها كهربائيا , بوضع كابل سميك من أسلاك الكهرباء , التي كان يستخدمها الانسان في عقاب الحمير عند أي ” إحران ” أو ذنب , في مؤخرته تحت الذنب , وبعد أن امتلأ بالكهرباء , المفقودة هذه الأيام في الكثير من البلدان , أخذ في تسجيل مذكراته حيث قال :
-منذ أن كنتُ جحشا صغيرا , ووالدي المسكين يوصيني بأن أكون خادما مطيعا للأمير , وللرعية أجمعين , من الكبير إلى الصغير , وقد شاهدت والدي وهو يؤدي الأعمال الشاقة بحراثة أرض الزعيم , المزروعة بكل الخيرات , ثم بعد أن تطيب , يحملها إلى الأسواق , وهو أمام الحاجب يساق , بالسوط والكرباج , دون استراحة في الطريق , ولا التفاف أو اعوجاج , ودون أن يتمكن من تذوق أي نوع من تلك الفواكه والخضار , فطعام الحمير ليس أكثر من التبن والشعير, وإذا لم يعجبه ذلك , سينال أشد العقاب , بالضرب على مؤخرته بالعصا الغليظة , وعلى راسه بالقبقاب , حتى يُسمع له على بعد مئات الأمتار نهيق و” ضريط ” , من كثرة الضرب والخبيط.
تلك كانت مذكرات وذكريات كبير الحمير , عندما كان جحشا صغيرا , وهي التي ظلت عالقة في ذهنه , ولذلك عندما كبر واستفاق , قرر الانقلاب والثورة من أجل الانعتاق , بعدما شاهد ما يجرى حوله من ثورات, والتي أتت على الأخضر واليابس , وحرمت الحمير حتى من أكلة برسيم , وعندما حضر حاجب الأمير ليصطحبه في مشواره اليومي لقصر الزعيم , كان نصيبه رفسة قوية برجلي الحمار الخلفية , أودت به إلى حتفه المحتوم , والتي بعدها لن يقوم .
بعد هذا الانتصار من كبير الحمير, خرج مزهوا , وقرر التوجه لهم بخطاب أثير , دعاهم فيه إلى التمرد على أوامر الأمير , والتوجه إلى قصر الزعيم لتوصيل رسالة مفادها , أننا لم نعد من أصحاب السمع والطاعة , وأنه من هذه الساعة , لا بد من المعاملة الحسنة للحمير , التي لا بد أن يكون لها نصيب من الحكم , بعد أن تم اختيار كبيرها , كزعيم وقائد حكيم وخبير , سيشارك في حكم البلاد دون تأخير .
الأمير وقد راي هذا التغيير في مجتمع الحمير , قرر وعلى وجه السرعة أن يهرب من القصر , قبل العصر , وأن يتوجه إلى المطار , وعلى أقرب طائرة يطير , قبل ان تستولي الحمير على الحكم , وتطبق عليه الحكم بالإعدام سحلاً بذيل حمار.
بعد أن استولت الحمير على قصر الأمير في عاصمة البلاد , تمدد حكمها إلى باقي المدن والقرى والأرياف والبلدات , وبدأت تتمتع بما بها من ملذات وخيرات , بينما كبيرها, يجلس على كرسي الامارة والرئاسة , يسجل ما حقق من امتيازات .
وفي سكرة الانتصار الذي أنجزته الحمير, نسي كبيرها أنها تفتقر للكياسة , وتتمتع بكثير من الغباء والتياسة ,, فقد غلب على الحمير الكسل والملل , من قلة العمل , وركنت إلى هذا الحال , دون أن يخطر على بالها أي سؤال , بما هو معد لها في قادم الأيام , بعد أن سيطر عليها النعاس والنوام , واصبحت قوما من النيام , وبعدما أتخمها اللذيذ من الطعام .
في هذه الأثناء , كان الأمير الهارب , يدبر أمرا للعودة إلى إمارته , وتحرير البلد من حكم الحمير , وبعد دراسة عميقة أقر البيان , وقرر الاستعانة بأقوى الجيران , ولو تقاسم معهم حكم البلاد , فاتفقوا معهم على الهجوم في يوم معلوم , وبينما الحمير في هناء وسبات , هاجمتهم أرتال القوات , برا وجوا بالدبابات والطائرات , موقعة فيهم القتلى والجرحى بالمئات .
وهكذا سقط حكم الحمير , التي لم تحسن التفكير والتدبير , وعاد السلطة للأمير , الذي استعان بما في البلدان , بكل مستشار وخبير , وخاصة بعد العثور على كمبيوتر كبير الحمير , وما وجد فيه من أسرار وطلاسم الكلمات , التي كانت مشفرة بلغة الحمير , ولم يستطع فكها أي خبير , وهكذا ضاعت مذكرات كبيرها , وضاع معها حلمها بحكم البلاد والعباد , دون اذلال أو استعباد , من البشر لمجتمع الحمير !!
***