عالميات

عابر سبيل اليوم هو الدكتور عبد الرحيم الهور .

والعبور اليوم بعنوان : إقتصاد الأمن السبراني و الحروب الحديثة

عابر سبيل اليوم هو الكاتب الفلسطيني الدكتور عبد الرحيم الهور وتشاركه هذه المرة الكاتبة المغربية زهور إكرام وذلك لتشابه مضمون الموضوع الهام والذي افرزنا له غلاف عدد اليوم .
والعنوان هو : إقتصاد الأمن السبراني و الحروب الحديثة

ولنبدأ بمقال الدكتور عبدالرحيم الهور : في الاول من يناير للعام 2020 نشرت في جريدة الراية القطرية مقال بعنوان ” الثلاجة القاتلة 5G” والذي تناول بجراءة استباقية مخاطر إنترنت الأشياء و اهمية الاستقلال الاقتصادي و اثره على الامن القومي و حتى الامن الدولي ، و للدخول مباشرة في مضمون الطرح و مناسبته ، هو الاحداث الاخيرة في لبنان من تفجير اجهزة النداء الالي و الاتصال الاسلكي ، اما عن الطرح قي المقال السابق فقد كان محوره حول تدشين مصطلح أنشطة “إنترنت الأشياء ” و معناه البسيط و المباشر هو ربط الأجهزة الإلكترونية و الكتروكهربائية بالانترنت، مثل الأجهزة المنزلية الثلاجات و التلفزيون و التكييف المستقل و المركزي و الحواسيب بأنواعها و السيارات الكهربائية و الهجينة و العاملة بالوقود العادي ، والعديد من الأجهزة الشبه ذكية و المتصلة بالإنترنت، وكيف ان ذلك يحدث اختراق امني معلوماتي و يشكل تهديد مباشر ، و يمكن ان يستعمل كسلاح بعده طرق ، هذا ما تم طرحه في مقال” الثلاجة القاتلة” والذي كان غريبا نوعا ما في ذلك الوقت، و اليوم ونحن نشهد تطبيق ذلك عمليا على ارض الواقع في لبنان ، يعود بنا الطرح إلى اساسة وهو ان الاستقلالية الاقتصادية في انشاء مصانع التجميع ، و تطوير البرمجيات المحلية المستقلة ، لم يعد فقط مطلب اقتصادي ملح ، وانما تحول إلى مسالة أمن قومي ، و طبعا نحن لا نضع الطرح بعيدا عن التحديات و العراقيل المرتبطة به ، ولكن مع توفر صناعة خطوط الانتاج و التجميع و سهولة نقلها و تشغيلها و من عده مصادر ، و انعكاس ذلك على الاقتصاد المحلي ، اصبح تطبيق النظرية متاح وفي متناول اليد لدى معظم الدول ، و اما بالنسبة للبرمجيات و قطاع الاتصالات و تكنلوجيا التخزين السحابي و ادارة البيانات و حمايتها ، فقد اصبحت هذه التكنلوجيا متوفرة من عدة مصادر و بعده خيارات منها المحلية المتكاملة مع المنتج الدولي ، اما بالنسبة لتوقيت اتخاذ القرار فهو الان ، ببساطة نجد تكامل واقعي إلزامي بين التنمية الاقتصادية و الامن القومي عبر الاستثمار في قطاع صناعة التكنولوجيا و الاتصالات و إنترنت الأشياء، اخيرا علينا ان ندرك ان التحدي كبير و وجودي و يمكن ان ياتي من اي باب ، سواء صناعات ثقيلة او صناعات غذائية او كيماويات او منظفات او غيرها ، وفي نفس الوقت نرى ان النظام العالمي و القانون الدولي و منظمة التجارة العالمية و المؤسسات الدولية، غير قادرة على القيام بمهامها في تنظيم التجارة الدولية او ادارة النزاعات ، لذلك وجب اليوم انشاء و تفعيل المجموعات الصناعية التحالفية بين الدول ذات الصالح المشترك و التحدي و المصير الموحد ، اننا نقف اليوم امام تحدي وجودي و دوما ندرك ان هناك مساحة عمل متاحة و فرص لابد من اغتنامها علينا العمل عليها.

****
أما الكاتبة زهور كرام :

فقد كتبت في موقع القدس العربي عن هذا الموضوع بعنوان الحوكمة الخوارزمية وخطر التحكم وقالت: في أسبوع واحد ظهرت التكنولوجيا باعتبارها حوكمة خوارزمية، تشكل خطرا مرعبا على الإنسانية بشكل عام، مهما تنوعت مرجعيات الاستخدام. فقد شكل «هاشتاغ الهجرة السرية» الذي تم إطلاقه قبل أيام، والترويج له بالدعوة إلى تقاسمه من أجل الزحف نحو باب سبتة المحتلة، أكبر عملية لحركة الهجرية السرية المعروفة، ما جعل مدينة الفيندق المغربية تتعرض إلى أكبر تجمع من فئة الشباب والأطفال القادمين من داخل المغرب وخارجه، من أجل الهجرة التي جعلها الهاشتاغ معلنة ومرسومة ومُصرحا بها افتراضيا، وهو وضعٌ أبان عن خطورة التقنيات التكنولوجية في إحداث السيولة في الدعوات بشكل سريع ومُؤثر، ولعل الزحف الذي شهدته مدينة الفنيدق يوم الأحد 18 سبتمبر/أيلول 2024 استجابة لـ»هاشتاغ الهجرة السرية» نحو سبتة المحتلة يعبر عن انتقال الهجرة من السرية إلى الإعلان المُحدد للتاريخ واليوم ومكان التجمع، وهو انتقالٌ في وسيط الدعوة، الذي ينتقل بدوره من مجرد الوسيط والأداة، إلى فكر استراتيجي سائل، قد يغير إدارة حركة الهجرة، وعمليات التنسيق، ويوسع التفاعل بين الراغبين في الهجرة من جغرافيات متعددة، وقد تتحكم فيه جهات سياسية متعددة لمصلحة تتجاوز الهجرة، ومتطلبات الفئات الهشة اجتماعيا واقتصاديا، وحقوق الإنسان، وتحديات سوق العمل وغير ذلك من القضايا المرتبطة تاريخيا بالحاجة إلى فرصة عمل من جهة، ومُساءلة سياسات تدبير العمل، ودمقرطة فرص الشغل. لقد كشف «هاشتاغ الهجرة السرية» الذي جرف بسيولته الأطفال القاصرين إلى جانب فئة الشباب من الجنسين سلطة الاختراق، وقوة التأثير، وقدرة التكنولوجيا على الوصول إلى كل الفئات بسرعة، وإقبالٍ كبير على الدعوة، دون مواجهة، أو حتى طرح سؤال مرجع الهاتشاغ. ولعله وضعٌ جديد ينتقل بالهجرة من واقع السرية، والاكتفاء بانتشار محدود، إلى واقع الإعلان الصارخ، ثم الانتقال من المتحكمين في الهجرة من متاجرين يحولون الهجرة إلى فرصة لجلب المال من فئات تبحث عن حياة كريمة، إلى الخوارزميات، ومن ورائها التحكم في الإعلان عن الهجرة وتخطيط مسارها بالتاريخ والمكان والأسلوب.
تتجاوز التكنولوجية خطر التحكم من الدعامة التقنية للدعوة (الهاشتاغ) إلى الاختراق السيبراني، الذي شهدته لبنان، خاصة الجنوب هذا الأسبوع، في أكبر عملية تكنولوجية خطيرة شهدها حزب الله وشبكته الاتصالية، وتوسعت العملية في منازل ومقرات ومكاتب وشوارع وأزقة وأسواق، مستهدفةً كل حامل لأجهزة الاتصال اللاسلكية «البيجر» وانفجارها دفعة واحدة، مخلفة قتلى وجرحى ومصابين في مناطق مختلفة في لبنان، خاصة جنوبه، إضافة إلى إصابات في مناطق متفرقة في سوريا، وطرحت سؤالا كبيرا: «من الذي حول الجهاز من وسيط تواصلي لاسلكي عبر الرسائل القصيرة إلى جهاز انفجاري؟».
ترفع عملية انفجار أجهزة ” البيجر” الصادمة، من خطورة التحكم التكنولوجي بشكل يجعل كل شيء محتملا، لأن كل شيء أصبح مُسيرا بالتكنولوجية، ولأن التكنولوجيا تتميز بالجودة في وظيفتها وخدمتها، أو في منتوجها وبالسرعة السريعة في أداة الخدمة، أو المهمة، فإنها تحولت إلى خطر مُرعب للبشرية التي استفاقت على أسلوب مُغاير للحرب، يُهدد أمنها وحاضرها ومستقبلها، ويُدخلها في رعب مفتوح على شتى الاحتمالات. لا يشكل الاختراق التفجيري صدمة فقط على وضعية أجهزة» البيجر» وكيف تفجرت، ومن تحكم في صنعها، وفي تدبير تفجيرها، وهو أمرٌ يدخل فيه السياسي بالأمني بالمخابراتي، لكن الصدمة تتجاوز «البيجر» وتُسائل مفاهيم كثيرة تتداولها البشرية، بل تعيش بدلالتها مثل: الأمن والأمان والاستقرار، إضافة إلى مفهوم التكنولوجيا التي انخرطت فيها البشرية بشكل كبير، وتحولت إلى عامل وظيفي في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتعليمية والسياسية، خاصة بعد كورونا التي أدخلت البشرية في الزمن التكنولوجي بقوة الحاجة إلى حماية التكنولوجيا الإنسان من تبعات انتشار الفيروس، وكيف جعلت كورونا البشرية تتجاوز سؤالين مألوفين: ما هي التكنولوجيا؟ وكيف نستخدمها» إلى حالة تاريخية ملموسة، يعيشها الأفراد، باستخدام التكنولوجيا التي يتعلمونها من خلال السرعة في طلب خدماتها، ما جعل الاستخدام ينتشر، ونمط الحياة يتغير، والسلوك الاجتماعي ينتقل من وضعية إلى أخرى، والعلاقات الاجتماعية تنزاح عن مألوفها الاجتماعي والثقافي، ونتيجة لكرم خدمات التكنولوجيا من جهة، والدهشة التي تُحدثها عندما تُحقق المطلوب بجودة وسرعة جعل سؤال: الخوف من تبعات الاستخدام التكنولوجي يظل سؤالا فكريا وفلسفيا، ولا يتحول إلى سؤال اجتماعي. لهذا، فإن تفجير أجهزة «البيجر» الذي أصاب الإنسان في لبنان، وهو يمارس حياته الاجتماعية والعملية، سينقل سؤال الخوف من منطقة التفكير الفلسفي إلى الرعب المجتمعي، والسياسي والعسكري. إنه تحولٌ يشبه -إلى حد ما- ما أحدثته كورونا، وإن كان الفارق الزمني مختلف من حيث مدة حدوث المأساة، إلا أن ما قبل التفجير التقني للجهاز وما بعده، مرحلة تاريخية تُعيد فيها الدول سياسيات أمنها، وعلاقتها بالسلاح التكنولوجي، وبشركات تصدير التكنولوجيا، مثلما حدث مع كورونا. إن التحكم الخوارزمي في تدبير الأحداث باعتباره قوة تكنولوجية تأخذ الحرب إلى أبعاد أخرى، وتتجاوز مفهوم الجنود والأسلحة الحربية، التي أصبحت تقليدية مع هذا الانفجار، كما تدعو الدول إلى إعادة النظر في مفهوم الأمن الداخلي، ووسائل التحكم في المخاطر، ويُسائل الدول والمنظمات عن مدى انخراطها في الابتكار التكنولوجي، وقدرتها على التحكم في الأجهزة التكنولوجية المستوردة، والعلاقة بين الإنتاج والاستهلاك، كما تٌسائل منظومتها التعليمية، وموقع التكنولوجيا في الوعي السياسي، والبحث العلمي، وفي استراتيجيات التنمية، ما دامت التكنولوجيا تحولت إلى فكر استراتيجي مفتوح على كل الاحتمالات. مثلما وقع مع كورونا التي وضعت الدول والمجتمعات والأفراد أمام خيار الانتقال التاريخي من نمط حياة إلى آخر، والمرور بسرعة فائقة إلى العصر التكنولوجي بتحدياته وإكراهاته، فكذلك الأمر مع انفجار أجهزة «البيجر». لقد تحولت كورونا إلى مؤشر تاريخي يعبر عن الانتقال من مرحلة إلى أخرى، والتأشير إلى بداية وعي المجتمعات الإنسانية بالانتقال إلى عصر الاحتمالات، والخروج من زمن اليقينيات والأيديولوجيات، والاعتقاد بأن كل شيء ممكن، وكل شيء أصبح محتملا، ما جعل العالم عاريا، تصطاده الكوارث والأزمات والفيروسات والآن الحرب التكنولوجية. لهذا، فإن ما يجب الانتباه إليه، خاصة في مفهوم التحول التاريخي، أن الوضع لم يعد يعتمد المدة الزمنية المألوفة لإحداث التغير والتحول، ما يجعل التفكير يأخذ وقتا للفهم والتحليل من أجل تأويل ما يحدث انطلاقا من أحداث تاريخية، ومظاهر اجتماعية، وأزمات اقتصادية، ومستجدات سياسية، لكن، التحول أصبح حالة فجائية، تتم دفعة واحدة، ولا تدع – في غالب الأحيان- مجالا للتحليل، إنما تُدخل المجتمعات والسياسات والأفراد في حقيقة العالم الجديد الذي أصبحت تعيشه البشرية منذ تطور التكنولوجيا، وانتقالاتها السريعة مع ثورات باتت تهدد مركزية الإنسان، وتتحدى عقله وسرعته البشرية، على الرغم من خدماتها الوظيفية في حياة الأفراد.
إن ما حدث في أسبوع بواسطة التحكم الخوارزمي في إحداث صدمة، جعلت المغرب يعيش يوم الأحد 18 سبتمبر 2024 حدثا مأساويا، بعد «هاشتاغ الهجرة السرية» وما عرفه لبنان وجنوبه من اختراق صادم وفجائي للأجهزة اللاسلكية «البيجر» وتبعات الحدثين، مع تفاوت كبير في انعكاساتهما على الوضع الإنساني، لا يطرح فقط أسئلة حول الأمن الداخلي للدول، والأمن المجتمعي، وسياسات الدفاع، وموقع التكنولوجيا في الوعي السياسي والعسكري والمخابراتي، لكن، إضافة إلى ذلك، فإنه يُغير استراتيجيات التعامل مع ظواهر كانت محتوى الهاشتاغ والانفجار وهما: الهجرة السرية وعلاقتها بسياسة التدبير لفرص العمل على ضوء مستجدات تحديات التكنولوجيا، لأن الوضع بات مختلفا، تتحكم فيه خوارزميات التكنولوجيا وليس شعارات الأيديولوجيات، ثم الاختراق السيبراني والحرب التكنولوجية الجديدة التي تضع تحدياتها على الدول وأمنها، بعيدا عن الخطابات الشعبوية، قريبا من واقع يتطلب مسايرة واعية للثورات التكنولوجية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
إغلاق
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock