عابر سبيل – ص4 – العدد 115 – مع د. أحمد البوريني .
العبور بعنوان : الهوية الثقافية للمجتمع العربي الكندي
عابر سبيل لهذا العدد هو الدكتور أحمد البوريني
والعبور بعنوان : الهوية الثقافية للمجتمع العربي الكندي
(1) المسؤولية الثقافية
بقلم الدكتور/ أحمد البوريني
atlantistranslator@gmail.com
*********************************
من أجمل ما يميز الواقع الثقافي في كندا تبني مبدأ التعددية الثقافية على مستويات عدة تشمل الأبعاد الاجتماعية والإيديولوجية والسياسية. فعلى المستوى الاجتماعي، تراعي القوانين الفيدرالية الكندية حقوق الأشخاص من خلفيات عرقية وإثنية متنوعة. وعلى المستوى الأيديولوجي، تحترم السياسات التنوع في الأفكار، والمُثل، والمبادئ للأفراد والمجتمعات في البلاد؛ فيما تؤكد التعددية الثقافية كذلك على مراعاة التنوع في المبادرات والانتماءات والبيئات السياسية. وقد شهدت فترة الثمانينيات من القرن العشرين إضفاء الطابع المؤسسي على سياسة التعددية الثقافية، في الوقت الذي أفرز التزايد في معدلات الهجرة تغييراً ملحوظاً في التكوين الديموغرافي للسكان في كندا؛ وبناء عليه تم اعتماد الميثاق الكندي للحقوق في عام 1982، حيث تم الاعتراف بالتراث الكندي متعدد الثقافات في الدستور. وتنص المادة 27 من الميثاق على أنه “يجب تفسير هذا الميثاق بطريقة تتفق مع الحفاظ على التراث متعدد الثقافات للكنديين”.
وقد قصدت من خلال هذه المقدمة أن أؤكد على الميزة التي يمكن للمجتمعات العرقية المختلفة والأقليات في كندا الإفادة منها، ومن ضمنها بالطبع المجتمع العربي الكندي بثقافته، وتنوعه، وهويته، ولغته؛ فيمكن الاستفادة من مبدأ مراعاة خصوصية المجتمعات والأقليات دون شرط الانصهار التام في بوتقة الثقافة الشمولية وسلخ الأقليات من هويتها، كما يحدث في كثير من البلدان الأخرى التي يهاجر إليها العرب وغيرهم، حيث لا مجال للتعدد الثقافي وممارسة العادات والتقاليد بالنسبة للأقليات هناك.
المسؤولية الثقافية وفي هذا السياق، أعتقد بأن هناك مسؤولية ثقافية تقع على عاتق المؤسسات والأفراد في المجتمع العربي الكندي، وذلك عبر الارتقاء بمستوى الخطاب الثقافي، والمشاركة الفاعلة في الأنشطة والفعاليات والمبادرات الثقافية العربية الكندية التي تنظمها كثير من المؤسسات والمنظمات العربية في كندا التي تهدف إلى المحافظة على الهوية العربية واللغة والتراث، خاصة في المقاطعات والمناطق والمدن التي تشهد تواجداً أكبر للعرب مثل تورنتو، وميسيساغا، وأوتاوا، ومونتريال، ووترلو، وويندسور وغيرها.
فهناك فرق مسرحية، وأمسيات شعرية، ومنتديات أدبية، وفنية وموسيقية، بدأت بجهود فردية متواضعة، ثم تطورت إلى مستويات أكثر تنظيماً وأفضل أداء في محاولة للتعبير الموضوعي والمسؤول عن القضايا المجتمعية، وتعزيز الهوية العربية الجامعة بصورة متوازنة وحضارية راقية. مع العلم بأن المشاركة الحقيقية في الفعاليات الثقافية تسهم في استمرار تلك المؤسسات وتطورها، وتبرز أدوارها وجماليتها ضمن فسيفساء التعددية الثقافية في كندا. وتشمل المسؤولية الثقافية كذلك الدور المهم للأسرة، من خلال الإسهام في مراعاة التوازن بين الثقافة الكندية الكلية والثقافة العربية، عبر الاهتمام بتعليم الأبناء اللغة العربية بصورة منهجية وسليمة إلى جانب اللغة الإنجليزية، فاللغة وعاء الثقافة والفكر والعلم، وهي تمثل هوية وتراث المجتمع الناطق بها، والتمكن من لغتين يثري على نحو واضح ثقافة الفرد والمجتمع. وتجدر الإشارة هنا إلى أن كثيراً من أبناء المجتمع العربي في المهجر يتعلمون اللغة العربية كلغة ثانية، وهو أمر طبيعي بحكم الواقع، إلا أنه يقتضي في الوقت نفسه تبني أساليب واستراتيجيات خاصة لتدريسها سواء في المؤسسات التعليمية أو من قبل الأسرة. ولا شك بأن الوصول إلى هذا الهدف يمثل تحدياً كبيراً يحتاج إلى الكثير من المعرفة والصبر والمثابرة والتدريب. وسوف أتحدث عن تلك المنهجية في تعليم اللغة العربية والحفاظ على الهوية بتفصيل أكبر ضمن سلسلة مقالات قادمة .
***
ا