عابر سبيل في هذا العدد هو السيد حسام مقبل – مونتريال
والعبور بعنوان : صورة في حدوتة
“الحياة ذكريات جميلة وحزينة، سعيدة ومؤلمة، قد تكون مليئة بالإنجازات، أو بالإخفاقات.. وتبقى الصورة هي التي تسجل هذه الذكريات وتحتفظ لها لتصنع تاريخنا”.
حكاية فنجان قهوة
ظللت رافضًا لشرب القهوة سنوات طويلة، ظننت أنها مُرَّة، وظللت صامدا حتى أشرفت على نصف قرن من عمري، وكنت أضحك دائما من بعض الأصدقاء المتعجبين لعدم شربي للقهوة رغم أني صحفي وكاتب، فهم يرون -من وجهة نظرهم- أو حسب ما يرون في الدراما أن أي مبدع لابد أن يشرب فنجانا من القهوة ولا مانع من سيجارة معها لكي يكتب مقاله، أو قصته، وكنت أؤكد لهم أنني؛ بالنسبة للقهوة، لست مبدعًا.
وفي يوم من الأيام، كنت في طريق طويل، وقررت أن أستريح قليلا من القيادة، فدخلت كافيه وجلست، وكنت كالعادة سأطلب شاي، لأني لا أحب المياه الغازية ولا العصائر المعلبة، ولكني لم أجد شاي لديهم، ففكرت قليلا وطلبت نيسكافيه، فوجدت المتاح فقط قهوة أو مياه غازية، فطلبت قهوة بالحليب، ووضعت عليها قليلا من السكر. ومن هنا بدأت حكايتي مع القهوة، في المرة التالية حذفت السكر من عليها، وفي الثالثة حذفت الحليب، وقررت أن أشربها سادة. لا أعرف لماذا أعجبني المرارة التي في القهوة، وشعرت بلذة من هذه المرارة لم أفهمها، هل هي مرارة الحياة وصعوبتها الطبيعية التي يجب أن اتأقلم عليها؟
ومن يومها تعودت أن أشرب فنجانا من القهوة يوميا تقريبا، وبدأت أنوع حتى في نوعية القهوة، مرة القهوة التركي، ومرة أخرى العربي، وثالثة الأمريكي، وهكذا، ولكن الجميع سادة بدون أي إضافات، هكذا أعجبت بها. وضحكت مع نفسي فالآن أصبحت مبدعا أو كاتبا من منظور آخرين، وعرفت أن للقهوة عشاق يدافعون عنها ويؤكدون أهميتها وأن شارب القهوة صاحب مزاج عالٍ، وأن هناك تنافس في المشروب الشعبي ما بين القهوة والشاي في كثير من بلاد العالم.
وفي ليلة ممطرة بمدينة مونتريال، بحثت عن مقهى أجلس عليه أحتمي من المطر، وفي نفس الوقت أتناول فنجاني اليومي، فوجدت مقهى صغير مرسوم على واجهته فنجان القهوة، فاخترت أن أجلس فيه، ولكني مجرد أن دخلت المقهى فوجئت بمشهد جميل مختلف عما أعرفه من المقاهي الكثيرة التي جلست بها.
المقهى عبارة عن طاولات للشطرنج وللطاولة، فهو لا يقدم ألعاب الشطرنج والطاولة مثل غيره، بل إن طاولات المقهى مصممة بهذا الشكل، وديكور الحوائط مصمم من رقعة الشطرنج أو بعض قطع الشطرنج، في شكل أنيق مختلف، ظللت أتفرج على الديكور حتى لاحظت النادلة تقف أمامي مبتسمة في انتظار انتهائي من المشاهدة. ضحكت وسألتها هل يمكن أن أجلس لشرب القهوة؟ ابتسمت وقالت لي: بكل تأكيد، أخبرتها أني من هواة لعب الشطرنج ولكن لن ألعب، فقط سأشرب القهوة، رحبت بي فجلست، وعرفت أن المحل إيراني، والفتاة أيضا إيرانية، وأن المكان مخصص لرواد لعبتي الشطرنج والطاولة ولكن مرحب بكل من يريد مشروبا أو حلويات إيرانية أن يجلس دون أن يلعب.
طلبت قهوة تركي، وفوجئت بصينية التقديم وشكل الفنجان النحاسي بالنقرشة الجميلة التي ذكرتني بالزخارف العربية والتركية القديمة، جلست فترة قصيرة لارتباطي بموعد، ولكنني قلت لها سأعود مرة أخرى.