عابر سبيل لهذا العدد هي السيدة شيرين بسيسو – العدد الشهري 144 .
العبور بعنوان : حواتم هذا الزمان .
حواتم هذا الزمان
كتبت : شيرين بسيسو .
كنت قد حضرت أوراقي و أقلامي … تحاورت مع بنات أفكاري ووضحت لي الرؤيه … رصصت أبطالي أمام مخيلتي و ناقشتهم في الحكايه و ناقشوني ثم بدأت في كتابه مقاله العدد .. كنت سعيده لانني سأنهي المقاله قبل الموعد المحدد وأنني سأرسلها الي عزيزي أبو شلبك باكراً .. قلت في نفسي أن هذه المره سأكون سباقه في إرسال مقالتي إليه بدل أن يستعجلني كالعاده .. لكن قبل الانتهاء من كتابه المقاله تفاقمت أحداث القدس وأحسست ان مقالتي ليست مهمه الان ..وأن الاحداث التي نمر بها علي الصعيد الشخصي في حياتنا في كندا و حكاياتنا و مشاكلنا أصبحت لا تشكل في تلك اللحظه أي نوع من الاهميه وغزة تباد و القدس يهان و يمتهن بهذا الشكل. ليس لي بالسياسه.. فقد عافتها نفسي منذ أيام الجامعه .. منذ ذلك الزمن البعيد أدركت من خلال تجاربي القليله أنها لعبه لا تستهويني و لن يكون لي دور فيها..أنا متابعه جيده للاحداث كأي مواطن عربي، الغربه الطويله و البعد عن ذلك الوطن لم تضعف علاقتي به بل علي العكس زادتني هياما وولعا به..و بالتأكيد لي وجهه نظر فيما يدور حولي لكني أحتفظ بها لنفسي و أحيانا أشارك بها المقربين و لكن ليس أكثر من هذا. توقفت عن إكمال المقاله التي بدأت بها و أحسست أنني أريد أن أحاوركم أكثر من أن أقص عليكم حكايه من حكايات كندا.. وجدتني أسال هل ما حدث ويحدث في غزة و القدس والضفة كلها، مستغرب؟؟ و ماذا كنا ننتظر والبلاد والعباد في تدهور و من سئ إلي أسوأ!! هل نلوم على الإحتلال الاسرائيلي والغرب ما وصلنا إليه أم نلوم أنفسنا!! ما زلت محتفظه بموقفي الصامت من الاحداث، ليس لي دخل بالسياسه.. لكن الصرخه مكتومه بداخلي ولا أستطيع إطلاقها. هل تستطيع الامه مواجهه العاصفه و هي خاويه من الداخل؟ هل من الممكن ان يصمد المجتمع و يحقق النصر وهو يفتقر الي أبسط قواعد الاخلاق والايمان؟ هل من الممكن أن نصل الي شئ والسوس وصل الي القلب!!! كيف لنا أن نلوم أحد علي ما وصلنا إليه و بيننا أشخاص مثل حاتم.. أشخاص تنخر في مجتمعنا و تفكك فيه.. تحمل دور المصلح الاجتماعي تلبس قناع العفه و هي ابعد ما يكون عن الاصلاح او الصلاح. ولد حاتم لعائله فقيره جدا فالاب عامل في إحدي الوزارات والام لم تنل أي قسط من التعليم .. عدد كبير من الابناء. الجميع يعيش في بيت صغير بالكاد يستطيع أي منهم أن يتنفس فيه.. عندما ولد حاتم كان مميزا عن باقي إخوته فقد ورث عن امه ذات الاصول التركيه لون البشره الأبيض المشرب بالحمره و العيون الزرقاء.. كان وسيما جدا و أدرك هو هذه الحقيقه و أتخذ من وسامته طريقا للوصول الي ما يريد.فكل ما كان يميز حاتم هو شكله. عندما تخرج من الجامعه طلب من والده أن يساعده في الحصول علي وظيفه لدي الوزاره التي يعمل بها الوالد و إشترط عليه انه لو تم التعين ان لا يلتقيا ابدا و ان لا يذكر الوالد انه ابو حاتم ..الوالد حمله كبير و كان يتمني ان يساعده أبناؤه في مصاريف الاسره بعد التخرج لذا بذل الكثير من الجهد و الوسائط ليتم تعين حاتم في الوزاره ..في البدايه لم يكن الراتب قوي او الوظيفه مميزه، لكن حاتم استخدم سلاحه الفتاك المتمركز في وسامته و ثقته العاليه بالنفس مع الكثير من التملق لرؤسائه ليترفع في سرعه قياسه لمنصب أفضل براتب اكبر. كان حاتم كلما صادف والده في الوزاره يشيح بنظره عنه و كأنه لا يعرفه، أما ان صادف الوالد و هو بصحبه أحد من الزملاء فلم يكن يتورع في توجهه الاهانه للاب.. الاب منكسر و صامت.. قبل قسوه حاتم مقابل ما كان يساهم به الاخير في مصاريف الاسره. لم يبق حاتم في منزله أهله كثيرا بعد تعينه في الوزاره و أنتقل للعيش بعيدا عن الاسره و إمتنع حتي عن المساعده البسيطه التي كان يساهم بها خلال وجوده معهم.. كان يريد ان يشطب من حياته تلك الصفحه ..لو كانت له القدره علي إخفاء الاهل عن الوجود لفعل ذلك عن طيب خاطر
بسرعه البرق كبر إسم حاتم و منصبه .. كبرت إتصالاته ,صوله الي مناصبه كان عن طريق الرشوه والغش لم مانع أبدا بالغدر بصديق او زميل ليصل الي ما يريد .. عاش حياه ترف و قاطع كل ما له صله بالماضي من أهل او معارف .. خلال فتره وجيزه غادر الوزاره و فتح شركه كبري في بلاده .. الناس الجديده التي حاوطته كانت تبجله و تتمني رضاه لا يعرف احد من هو .. هو فقط السيد حاتم رجل الاعمال المشهور..بارع حاتم في إستخدام أدواته فقد كانت الوسامه والابتسامه تخفي خلفها الكثير الكثير من السواد والقسوه. طموح حاتم لم يقف عند حد بلاده ..و لان حلم حياته كان ان يهرب من ماضيه لم يتردد للحظه عندما جاءت فرصه السفر والاستقرارفي كندا.. حمل حقائبه و أتي بما يملك من مال و إتصالات في بلده ليبدأ حياه جديده هنا.. اما الماضي بأهله فقد شطبه تماما من سجلات حياته.. طلبها صريحه من والديه و إخوته قبل حضوره هنا .. طلب منهم ان ينسوه تماما و إن حدث و ان ذكر أمامهم او صادفوه لاي سبب في أي مكان ان لا يقتربوا منه او من ذكر إسمه. لم يختلف أسلوب حاتم هنا في كندا كثيرا عما كان عليه في بلاده في تعامله مع الناس و محاولته للوصول الي أرقي المنصاب.. لا مانع لديه من النصب علي فلان او إستخدام علان لتحقبق هدف ما.. كل ذلك كان يتم في الخفاء لكن الظاهر هو تلك الصوره التي رسمها لنفسه.. الشاب الوسيم الغني القادم من البلاد التي تفصلنا عنها المحيطات .. و لان الناس ليس لها الا الظاهر فكثيرون ممن كانت لهم مصلحه معه بجلوه و جعلوه قدوه وقائد همام و مصلح إجتماعي..اما من انكوى بناره فقد نظر اليهم علي انهم من الحاسدين الحاقدين علي النجاح و الناجحين..معلوماتي عن حاتم و قصته كانت بمحض الصدفه عندما قابلت زوجته.. أتت تسألني عن الطلاق و قوانينه و طريقته في كندا.. أتتني مصطحبه معها شخص علمت فيما بعد أنه يعرف حاتم تمام المعرفه و انه معرفته به تعود لذلك الزمن البعيد عندما كان زميلا له في الدراسه. السيده كانت في حاله تشبه حالات الذهول و انعدام الوزن.. لقد أتى حاتم الي كندا عن طريق الزواج بها.. كانت هي من وفرت له في البدايه كل السبل للتأقلم علي الحياه في كندا.. كانت هي من أوصلته بإتصالاتها الي المعارف و اصحاب النفوذ داخل كندا. كانت معاملته لها في البدايه رقيقه .. أوحي لها انها الاميره المتوجه علي قلبه.. إستخدم كل أدواته ليصل الي ما يريد و بعد ما حقق هدفه طردها خارج حياته هي وولدهما الصغير.
السيده كانت علي حافه الجنون و هي لا تستطيع ان تفهم ما حدث في علاقتها بحاتم فمنذ فتره قصيره فقط كانت تعيش في سعاده هي لم تكن تتخيلها و الان انقلب عليها الحال.. مشكلتها لم تكن حاتم فقط بل كانت أكبر لانها عاندت اهلها و تزوجته و الان حتي المسانده المعنويه من الاهل لا سبيل لها.. لقد أخبرها والدها انها لو تزوجت حاتم ستكون انهت علاقتها باسرتها تماما… أخبرني الرجل المصاحب للزوجه انه لا يستغرب ما حدث لها.. قال انه التقي بحاتم صدفه في أحدي المناسبات و هكذا تعرف علي زوجه حاتم.. أخبرني ايضا ان حاتم فوجئ به و انه لم يكن سعيدا ابدا بذلك اللقاء..أضاف الصديق ان حاتم كان يعمل كل ما في وسعه ليتجنبه و يتجنب الحديث معه في أي مكان .. اخبرني ان زوجه حاتم اتصلت به تسأله المساعده آمله ان تكون لمعرفتهم السابقه وزن يمكن لحاتم ان يعمل حسابه.. لم تدري ان حاتم أصبح أكثر شراسه بعد إتصالها بذلك الشخص الذي اخبرها بالحقيقه كامله و نصحها ان تنهي علاقتها بحاتم لانه لن يتأخر في ان يدوس عليها و علي ولدهما من أجل مصلحته إذا لزم الامر. شخصيه حاتم موجوده في كل زمان ومكان.. شخصيه وصوليه لا مانع لديها من أن ترمي بكل القيم و الاخلاق عرض الحائط لتصل الي ما تريد .. شخصيه مريضه ناكره للجميل .. شخصيه تستخدم ما آتاها الله من أدوات أو نعم لتسخرها لمصالحها الشخصيه دون الاعتبار لاي مبدأ او قيمه . شخصيه حاتم و تركيبته تجعلني أطلب منكم ان نعود الان للبدايه و نتساءل هل نستطيع ان نحمي الاقصي و مجتمعنا ملئ بالكثير الكثير من أمثال حاتم؟؟ كيف من الممكن أن نحمي أقصانا وأن نحمي أرضنا و ديننا و نحن في مجتمع و ارض ووطن يحكمه الف الف حاتم.. مازلت عند وعدي القديم لنفسي ، لن أتحدث في السياسه .. لن أدلي برأي و سأحتفظ بوجهه نظري لنفسي لكن لا مانع من إعطاء النصيحه من أجل ألاقصي و من أجل جميع المقدسات و من أجل كل شبر في وطننا العربي كله..دعونا نطهر أنفسنا أولا.. ننقي ما بداخلنا و نصفي النيه.. دعونا نتقي الله في أنفسنا و في الاقربين الينا حتي قبل ان نتقيه في الاغراب والاهم هو ان نضع أيدينا معا و نكون علي قلب واحد و نطهر مجتمعاتنا من كل حاتم.. ربما بهذه الطريقه يعود الأقصي وكل فلسطين.