عابر سبيل هذه المرة مع السيدة شيرين بسيسو . العدد 141 – ص4
والعبور بعنوان : لقاء بلا ميعاد.
عابر سبيل هذه المرة مع السيدة شيرين بسيسو
والعبور بعنوان : لقاء بلا ميعاد
لم أكن أتخيل أن الجلوس بالقرب من البحيره للاستمتاع بالشمس و الهواء و الهدوء في ذلك اليوم الخريفي الجميل سيسوقوني الي مغامره لطيفه و فريده من نوعها..الساعه تقترب من التاسعه و النصف صباحا و المكان خاليا تقريبا الا من بعض كبار السن المتقاعدين و الذين اعتدت علي رؤيتهم دوما يمارسون رياضه المشي و الابتسامه تعلو علي وجوههم .. يتبادلون تحيه الصباح مع الجميع.كنت قد إعتدت علي وؤيه هذا المنظر بشكل يومي عندما كانت بناتي في سن المدارس و كنت أقوم بتوصيلهم الي المدرسه كل صباح. كانت متعتي ان اتي بعد توصيلهم للاستمتاع بالجلوس بالقرب من البحيره لفتره قبل مباشره عملي . البنات كبرت و توقفت عن رحله التوصيل الصباحيه و كذلك توقفت زياراتي للبحيره كل صباح. في ذلك اليوم صحبت معي كتاب للقراه فقد كنت قد بدأت رحله قراءه كتاب قواعد العشق الااربعون للمره الثالثه كنت اريد الاستمتاع بالكتاب بالقرب من البحيره . بيني و بين شمس التبريزي خيط غير مرأي يوصلني به و لا ادري لماذا . منذ ان قرات الكتاب التصقت بشمس ، مجرد رؤيه غلاف ذلك الكتاب تدخلني في مشاعر مختلفه من السكينه. في ظل كل المعطيات السابقه لم اشعر باقترابها مني و جلوسها علي الطرف الاخر من ذلك الكرسي الازرق الطويل الجاثم أمام البحيره.. جلست بخفه و هدوء وصمت فلم إحس بها و استمريت في القراءه . لم اعي الي ان هنالك احد بقربي الا عندما تنهدت و رفعت رأسي قليلا لارقب مركب احد الصيادين تمر سريعه للغور الي داخل البحيره بعدما قطع سكون محركها العالي سمفونيه الصمت التي كنت اعيشها لحظتها فقط أدركت وجود رفيقه الكرسي.. إبتسمت و قلت بالانجليزيه صوته عالي جدا فاجابت نعم و ابتسمت.. و قبل ان اعود الي الكتاب مره أخري سمعتها تسالني بالعربي هل هو شمس أم جلال الدين الرومي من كان سبب التنهيده.. إندهشت و قلت انت عربيه.. ملامحك لا توحي بذلك ابد.. ازادت ابتسامتها و قالت بل عربيه حتي النخاع لكن عائلتنا اشتهرت بتلك الملامح الغربيه ..ربما كان احد الاجداد من الغرب لا ادري و لكنني عربيه صميمه و ضحكت. أجابتها بعدما ثنيت طرف الصفحه التي و صلت اليها و قفلت كتابي قائله انه شمس..لحظه من الدهشه علت وجهه و كأنها لم تفهم كلمتي.. إبتسمت و قلت سألتني من سبب التنهيده و جوابي هو شمس التبريزي.. فانا ابحث عنه منذ زمن و لم ادري ما الذي كان يدور في خلدي منذ سنين الي ان قرات الكتاب و الذي حصلت عليه بالصدفه لاجد نفسي اغوص فيه و اجد نفسي و قد تعلقت بشمس و بدات في البحث عنه. صمتت للحظه ثم فجأه سألتني هل لديك بعض الوقت.. شئ ما بداخلي يدفعني الي التحدث اليك و اشعر انني اريد ان اشاركك حكايتي، لكن هنالك شرط ، لن نتعارف او نتبادل ارقام الهاتف . ستنتهي الحكايه بإنتهاء اللقاء .. نحن روحين جمعتهم الصدفه لسبب ما و سنفترق علي غير معاد او وعد باللقاء… صدقت رفيقه المقعد الازرق.. نحن روحين لا رابط بيننا اجتمعنا من غير ميعاد و لانني اؤمن ان لكل شئ سبب وافقت عن طيب خاطر. أنتمي لعائله عريقه في بلادي أسم و سمعه و شهره، هكذا بدأت حكايتها.. مجرد ذكر اسم العائله يفتح ابواب و يسهل امور..والدي حباه الله جمال الوجه و طلاقه اللسان.. شديد الوسامه، لذلك تعددت علاقاته.. كان كالمغامر كل يوم في بلد و كل اسبوع مع إمرأه.. و أخيرا عندما التقي بأمي قرر ان يتزوجها و خاصه و انها لم تكن ترغب به مطلقا.. كانت تخشي و سامته المفرطه و كانت علي درايه بعلاقاته المتعدده. كانت تدرك ان زواجها منه مخاطره كانت تدري ان رغبته بها ما هي الا رده فعل لرفضها له. لقد تعود ابي ان يحصل علي ما يريد دوما لذلك عندما رفضته امي حركت بداخله غريزه الصياد و قرر امتلاكها مهما حدث. تزوجا بعد سنوات من ضغوط اهل امي عليها .. كانت تقول لي ان يوم فرحها كان يوم ذبحها .. كانت تدرك ان الطلاق آتي لا محاله و ان والدي سيتركها بعدما يمل و يحصل منها علي ما يريد..زواج ابي و امي استمر عشر سنوات و السبب الوحيد لاستمراره طوال تلك السنين هو ذكاء امي.. لم يستطيع ابي ان يشعر ولو للحظه انه ملكها او تمكن منها، لم يكن يهمها سيطه او غناه لم تهمها و سامته و علي الرغم انها كانت تعيش في قصر الا انه كان قفص من ذهب بالنسبه لها طوال تلك السنين لم يقدر ابي الفوز بقلب امي لكن ذلك لم يمنعه من خيانتها مرارا و تكرار.. معاملته لها كانت تتسم بالقسوه الشديده و كان لي انا جانب من تلك القسوه.. كان يشعر انني انتمي لها اكثر مما انتمي اليه و لانني نسخه طبق الاصل منها فقد كان في كثير من الاحيان يضربني و يقسو علي دون سبب..
عندما يأس أبي من تملك امي طلقها.. مل اللعبه و قبل بالهزيمه لكنه قرر قهرها في شخصي .. حاول مرارا و تكرارا الحصول علي من خلال القانون و لان مجتمعنا تحكمه معاير كثيره متناقضه كان ينجح احيانا و يفشل احيانا، كانت امي مثل اللبؤه تحارب باستماته من اجلي و كانت تنجح في الحصول علي حضانتي في كثيرمن الاحيان . حياتي و حياه أمي كانت أغلبها في ساحات المحاكم ببلوغي سن الواحد و العشرين أصبحت في نظر القانون بالغ رشيد و توقفت القضايا و المحاكم و كذلك توقفت حروب امي من اجلي..لقد تخلي والدي عن فكره الحضانه او بالاصح لم اعد تحت وصايه أحد فرقم 21 كان الرقم السحري لتوقف معاناتي و معاناه حروب أمي من أجلي… اخيرا آن الاوان لها ان تهدأ و تنزع درعها و ترمي سيفها و تترجل عن حصانها و تستمع معي بالحياه. في يوم عيد ميلادي ال 21 عملت لي إحتفالا صارخا كانت به تظهر كأنها أصغر مني سنا .. كانت كعروس تحتفل بفرحه عمرها أخيرا و بوجودها مع إبنتها الوحيده .. لكن كل شئ له ضريبه و ثمن و كان قد حان وقت الدفع.. سنين طويله من الحروب الطاحنه أثر كثيرا علي جسدها النحيل و صحتها.. تملك منها المرض الخبيث و ماتت و انا في الثالثه و العشرين من عمري. بعد موت أمي غادرت البلاد و اعتزلت العباد .. بعد رحيل امي لم يبقي لي احد في بلادي .. حزمت حقائبي و رحلت … تركت ورائي ابي و اهله و نفوذه و اسمه .. سافرت الي الولايات المتحده و بدات من جديد .. غيرت اسمي فأنا لم اكن اريد ان ارتبط بأبي باي شكل من الاشكال.. إشتغلت و نجحت ثم بعد عده سنين تزوجت.. حياتي أستقرت و عوضني ربي عن سنوات الشقاء بالمال و البنون و الزوج الحنون المعطاء.
منذ فتره قريبه جاءني إتصال من صديقتي الوحيده التي بقيت علي أتصال بها منذ مغادره البلاد تخبرني أن والدي مريض جدا و يعاني سكرات الموت .. اخبرتني انه يرغب في رؤيتي قبل أن تواتيه المنيه و انه صرح بذلك علنا علي صفحات الجرائد و السوشيال ميديا.. كان وقع إتصالها علي كالصاعقه و تركتني في حيره ما بعدها حيره .. فجأه تذكرت كل سنين الشقاء مع من كان من المفروض حامي لي.. بحثت عن صورته في الفيسبوك و هالني ما رأيت.. ملامحه الوسيمه لم تعد واضحه تحول الي هيكل عظمي .. لا يستطيع الوقوف دون مسانده أحد مساعديه..أحترت و سألت زوجي ماذا أفعل لكنه أجابني أنا الوحيده التي تستطيع الاجابه علي السؤال و انه من جانبه سيساندني في اي قرار. زيارتي الي كندا هدفها الابتعاد عن جميع الضغوط و المؤثرات الخرجيه لاتخاذ القرار.. انا وحدي هنا تماما و حضرت اليوم هنا و بداخلي شئ يدفعني الي الحضور.. انا بطبعي خجوله لكن لسبب ما قررت الحديث معك . أنا لا أعرفك و لست أدري هل كان من الحكمه ان أشاركك حكايتي لكن فعلت و سؤالي الان هل أذهب أم لا!!! و أكملت أرجوكي لا اريد الخوض في تفاصيل اريد كلمه واحده نعم ام لا. فتحت حقيبتي و اخرجت منها و رقه و قلم .. كتبت إجابتي عليها، طويت الورقه و اعطيتها لها قائله..هذه إجابتي ..أنا سألتزم بإتفاقنا و لن اسالك من انت و لن نتبادل اي وسيله للاتصال كما اتفقنا لكن من جانبي اريد ان نفترق الان و تقرأي إجابتي بعد ذهابي.وقفت رفيقه كرسي البحيره و مدت يدها لي لتودعني و هي مبتسمه و قالت شكرا لك علي وقتك و حسن استماعك و اقدر إجابتك مهما كانت.. تمنيت لها التوفيق و إتخذت طريقي الي سيارتي و بعد ان مشيت فتره نظرت الي الخلف ووجدت رفيقتي قد قرأت إجابتي و علي وجهه إبتسامه رفعت يدها بعلامه الابهام الي الاعلي و لوحت لي مرسله لي قبله عبر الاثير .. لوحت لها و مضيت في طريقي.طبعا تتسألون ماذا كان الرد.. لم يكن بالتاكيد كلمه واحده و لكنني كتبت “ليس المهم ان تذهبي لتزوريه او لا المهم ان تسامحيه و تسامحي نفسك.. إقطعي خيوط الكراهيه بينك و بينه .. قال غاندي كراهيتنا لاي أحد هو سم نتجرعه نحن ظنا منا أننا نقتله هو و لكن في الحقيقه نحن نقتل أنفسنا “.