لقاء العدد 106مع الداعية والإمام الكندي الدكتور منير القاسم
أجرى الحوار : محمد هارون .
المقدمة :
لقاء سبيل للعدد رقم 106 من جريدة ساخر يطيب لنا أن يكون مع الداعية الدكتور منير القاسم إمام وداعية كندي، عربي لبناني المولد، يرأس “المعهد الإسلامي للحوار بين الأديان وهو إمام المركز الإسلامي لجنوب غرب أونتاريو في مدينة لندن الكندية، وكان مرشداً روحياً مسلماً في جهاز الشرطة التابع لهذه المدينة لعدة سنوات. ولندن هي المدينة التي زاول فيها الدكتور منير القاسم مهنةَ طِب الأسنان ودرّس بها بكلية طب الأسنان وعايش فيها كل صغيرة وكبيرة مع أبناء المجتمع العربي في هذه المدينة.
أثناء حفل تأبين الأسرة الكندية المسلمة والتي دُهست عمداً في لندن- اونتاريو القيت العديد من الكلمات المؤثرة عن الحادث الجبان الذي ارتكب بحق ابرياء كانوا يسيرون بنزهة برئية في أحد شوارع المدينة .. كانت الكلمات للزعماء والقادة السياسيين والدينيين الكنديين ، ولكن الكلمة الأبرز، رغم قصرها ، كانت كلمة الدكتورمنيرالقاسم .
دعونا نتعرف على مضمون هذه الكلمة وأهميتها و نحاور صاحبها في العديد من المواضيع التي تهم المجتمع العربي الكندي في عددنا هذا .
***
س1 : ضيفنا الكريم د. منير القاسم، و في بداية هذا اللقاء ، حبذا وأنت تعيش في لندن اونتاريو منذ فترة طويلة، لو أخبرتنا عن بداياتك فيها، وحدثنا أيضاً عن هذه المدينة الكندية والتواجد العربي الإسلامي والمسيحي فيها ، ومدى تأثيرهم ومشاركتهم بالفعاليات الإقتصادية والسياسية والإعلامية فيها؟
ج: نعم .. وأشكركم على استضافتي بجريدتكم الغراء.
هاجرت وأسرتي من بيروت لبنان إلى كندا سنة 1976 وذلك عند عند قيام الحرب الأهلية، وأخترنا مدينة لندن اونتاريو للعيش والاستقرار، وقبيل الحرب كنت طالباً بكلية الطب البشري في الجامعة الأمريكية في بيروت وكنت من الأوائل للدراسة فيها ولكن الحرب الأهلية منعتنا من البقاء والاستمرار، وحين وصولي إلى هنا، وبسبب الحرب خرجنا من بيروت و لم يكن معنا أية أوراق تثبت بأني كنت أدرس بكلية الطب وبالتالي خسرت خمس سنوات من عمري الدراسي، وهنا قبلت بالسنة الأولى في كلية العلوم في جامعة ويسترن ونتاريو وهذا أسمها السابق وحاليا ويسترن، ودرست علم الوراثة ثم التحقت بجامعة تورونتو لدراسة طب الأسنان وقضيت فيها أربع سنوات وتخرجت عام 1986 كجراح في طب الأسنان ومارست العمل في هذه المهنة لمدة 16 عاماً، ثم طلب مني المشاركة في عمل أكاديمي كي أنضم للطاقم التعليمي في كلية طب الأسنان في جامعة ويسترن وفعلاً عملت في الجامعة حتى وصلت الى رتبة نائب مدير الكلية إلى أن عُدت لممارسة المهنة لخمس سنوات أخرى، ثم عملت بمجال الدعوة، بالتلازم مع مهنتي طبيب ولكني عملت بما أملاه عليّ قلبي حيث كان من الصعب التلازم بالعملين معاً خاصة وأن مهنتي كطبيب بحاجة الى تركيز وجهد وتفرغ لذلك تقاعدت وبدأت متفرغا للدعوة للفكر الوسطي الذي يقوم على الحوار بين أفراد العائلة البشرية المتعددة الأعراق والإنتماءات الدينية فكلنا من آدم وكلنا أفراد عائلة واحدة . وبخصوص النشاط الدعوي فقد كتبت عدة كتب في أمور دينية مختلفة وحاضرت في الكثير من المدن الكندية والحمد لله أنا متواجد بفعالية أيضاً على منصات التواصل الإجتماعي.
بالنسبة لمدينة لندن والتواجد العربي الإسلامي فيها، فقد كنا قلة فيها ولكن ومنذ نهاية السبعينات بدأت الأعداد تتزايد وهي زيادة نوعية والحمد لله . يشكل التواجد الإسلامي في المدينة من 12- 14 % من السكان نصفهم من العرب تقريباً وللعلم فإن هذه النسبة من التواجد العربي الإسلامي في المدينة إذا ما قورنت بمدن أمريكا الشمالية فإن لندن تأتي بالرقم الثاني بعد مدينة دير بورن بضواحي ديترويت الامريكية. التفاعل العربي مع المكونات الأخرى للمدينة عالياً، فنحن والحمد لله متواجدون على كافة الصعد الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والعمل الحكومي وغيرها، فلدينا رجال أعمال ومهندسون وأطباء ومحامون وأساتذة جامعات ومتواجدون بكافة المهن والأنشطة والفعاليات المختلفة للمدينة ، ومتفاعلون مع الأنشطة السياسية والإنتخابية الكندية وأهل السياسة هنا يتفاعلون مع احتياجاتنا ومطالبنا .
س2 : قيل الكثير عن كلمتك في تأبين الأسرة المنكوبة بفعل إجرامي ، البعض أيدها وآخرون رفضوها.
وفي كلمة لك على صفحتك على الفيسبوك قلت بما مضمونه : لقد كان مؤلمًا أن أرى كلماتي ملتوية في لحظة حزن لا يُصدق….. فقط عندي نقطتين لأقولهما ردًا على ذلك:
1) لن يتم إسكاتي من قبل منظمة حاولت بنشاط منع اقتراح يعترف بالإسلاموفوبيا في مجلس العموم ، ولم تعتذر عن ذلك منذ ذلك الحين.
2) أي شخص يحتاج ج لدقيقتين للاستماع لما قلته سيفهم ما اريده بوضوح … أن وفيات العائلات هنا في لندن حدثت أيضًا في فلسطين. حبنا وألمنا عالمي. ..أي تفسير آخر غير منطقي وربما تشهيري.. لن أستجيب أكثر… هل يمكنكم اعطاء القارئ الكريم بعض التفاصيل عن تلك الكلمة القصيرة والتي ربطتها بما حدث بفلسطين مؤخراً وتركت أثرأ طيباً عند الكثيرين ورفضاً عند البعض الآخر.
ج: أنا ذكرت عند مخاطبة الحضور لتأبين العائلة التي قتلت بعمل إجرامي إرهابي انه من المستحيل الفصل بين ما يحصل هنا وما يحصل في أي قرية صغيرة في العالم، فما يحدث هنا أوهناك يستشعر به الناس بالطرف الآخر، وعندما لا نشعر بما يحصل للعرب المسلمين والمسيحيين في القدس وغزة ولا نعيره اهتماماً ونعتبره حقاً مشروعاً للكيان الصهيوني المغتصب بالدفاع عن نفسه مع انه هو الطرف المحتل للأرض والمغتصب للحقوق وهو المستفز الأول في الأحداث الأخيرة حيث قام جنوده بانتهاك حرمة أهم مراكزه الدينية وذلك باقتحام المسجد الأقصى أكثر من مرة واستباحته في الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك وهي أيام مقدسة عند المسلمين وهذا المكان الذي يعتبره المسلمون أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، وللأسف لم تصدر الحكومة الكندية اي استنكار ولا أي إشارة لما يحدث هناك للضغط على الكيان المغتصب لوقف مجازره ومنع الحرب من التفاقم والاستمرار في التدمير الممنهج لكل شئ وخاصة الإنسان، فقد استشهد أكثر من 250 فلسطينياً في غزة وغيرها من مدن الداخل والضفة وأكثرهم من الأطفال والنساء ، واعتُبر ذلك من الأضرار التي تحدث بأي حرب، معتبرين التساوي بين الطرفين في الإمكانيات ومتناسين ان الكيان المحتل يملك الأسلحة التدميرية الفتاكة التي يزود بها من أكبر مصانع الأسلحة في الغرب ، والحقيقة الواضحة إنه إعتداء وحشي واضح فاضح، فلا إكتراث بحياة الضحية من العرب المسلمين والمسيحين إن كانوا في فلسطين أو في غيرها، ويعتبرون ما حدث قضية بسيطة أو عادية وهذا ما يصوره ويعرضه الإعلام الغربي المنافق لمتابعيه. ونتيجة لذلك فمن الطبيعي أن ينظرأولئك الذين يخافون من الوجود الإسلامي بينهم في كندا وغيرها، على ان هذا التواجد للمسلمين بينهم خطر عليهم واعتداء صارخ على حرياتهم وتهديد كبير لقيمهم ، والذين نشاؤا وكبروا على التفاعل مع الجريمة وإرتكابها سيقمون بتنفيذ أعمالهم ظانين بأنها ستبارك وتنال الرضى، وهذا خطأ بدليل أن معظم الناس بلندن وكل كندا ومن مختلف الفئات شجبت هذا العمل الإجرامي، ولكن نحن نتكلم عن فئة محدودة مستعدة لإرتكاب الجريمة باية طريقة، لذلك ما ذكرته كنت أشعر به بكل صدق وأمانه، وعندها أعتبر كلامي معاديا للسامية وفي كل مرة يتكلم بها أي انسان عن تلك البقعة بفلسطين تبدأ الأبواق بالإرتفاع بأن ذلك معاد للسامية وهذا معروف للجميع . أنا لأخاف مما ذكرت وما زلت عند كلمتي حيث علينا التحدث وبوضوح عند السكوت على ممارسة الإجرام وقتل الأطفال وإحتلال الأرض وفضح الإجرام بكل العالم ، وكما هو مسجل أنا لم أتحدث عن عرق أو دين . ووبالنهاية ومن الطبيعي لا يوجد كلام أو تصريح يرضى عنه الجميع حتى كلام الأنبياء لم يعجب كل الناس، ما قلته لا يخيفني ولا يحزنني بل أسعى للآخر بالحكمة والموعظة الحسنة .
س3 : جرائم عديدة ارتكبت ضد المسلمين في المدن الكندية كتجمعات وكأفراد.. ما السبب خلف زيادة هذه الجرائم المرتبطة بالكراهية وما هي الطرق والسبل الكفيلة بإنهائها ؟
ج: الحقيقة هناك عدة مستويات للكراهية من حيث منابعها وأهدافها وأبرزها المستوى العالمي حيث تبدو كراهية الآخر واعتباره العدو ويجب الإنتقام منه موجودة وكبرت مؤخرا ولذلك أسباب: فمن أبرز اوجه الكراهية والعنصرية ما نجده ضد السود والممارسات التي وقعت ضدهم عبر التاريخ لم تنتهِ حتى الآن للأسف وكما تلاحظون هناك حملات وشعارات عالمية معاكسة تتطالب بحق السود للعيش بكرامة وخاصة في الغرب .
وهنا بكندا بدأت حملات وتظاهرات تندد بالعنصرية التي أفرزت كراهية تاريخية ضد السكان الأصليين وخاصة كشف المقابر الجماعية لأكثر من 200 جثة لطلاب مدرسة من السكان الأصليين واكتشاف مئات من الجثث في مقاطعات أخرى .وأيضاً ضد المسلمين في كندا وغيرها حيث أن بطئ التعامل الحكومي مع الكراهية وأحياناً عدم الإكتراث سوف يسبب حوادث مفجعة .
وعلى المستوى السياسي : فالأحزاب الساسية الكندية تتعامل مع الحدث لمصالح حزبية ضيقة وتعمل لما يبقيها في السلطة فقط، فالمحافظون لهم أجندتهم بالاعتماد في الغالب على البيض ورغباتهم واحتياجاتهم للوصول للحكم . والليبرال لهم قاعدة مختلفة وأساليب متنوعة للبقاء في السلطة ، للاسف المعظم يضع السياسة فوق العدالة ، وهذا ما يجب أن يستبدل . كما أن هناك سبب آخر وهو ثقافة التسامح الغائبة على ما يبدو، والتي من المهم ان تبدأ من الأسرة والمدرسة، فمن الضروري النظر الى العائلة البشرية على انها تستحق التكريم والإحترام وإذا ما وجد التناتفس يجب أن يبقى باطار التطوير وبأساليب حضارية وليس بطرق ملتوية سلبية قد تتفاقم الى العمل الإجرامي . ونقطة أخرى هنا، هي ان المجموعات اليمينية المتطرفة تزدادا وتنشر ثقافة الكراهية ، وبزيارة سريعة لِ ” غوغل ” تجدها بالمئات وهي تمجد الجنس الآري وتغذي الفكر المتطرف. وأيضاً الإعلام وهو صاحب الدور الأول في التنوير حالياً ، فلم يعد هدفه نشر الثقافة والوعي والمعرفة الصحيحة بل أصبح همه الأول والرئيس هو الكسب المادي وجمع القراء والمتابعين وبالتالي المناصرين لكل ما يطرحون على منصاتهم المختلفة وهذا ما ظهر بوضوح بالفترة الأخيرة . وأخيراً التنافس السلبي بين المتدينين بدل الحوار بين كل الأطراف ويكون هدفه زيادة المحبة وحفظ كرامة الجميع وخلق بيئة تتعايش بها جميع الأعراق بغض النظر عن المنابت والأصول والألوان.
س 4 : ضيفنا الكريم الدكتور القاسم .. وقد عملت مرشدا روحياً مسلما لعدة سنوات في سلك شرطة مدينة لندن اونتاريو ، حدثنا عن هذه التجربة ماذا أفدت وماذا استفدت منها ؟
ج: خدمت في سلك الشرطة كمتطوع لمدة سبع سنوات كمرشد ديني وأستطعت من خلالها ترأس جلسات روحية كثيرة وفي مجالات عديدة منها حفلات ومناسبات التخرج وتوزيع الأوسمة والميدليات وكنا نتناوب على هذه الحفلات من أكثر من ديانة. وكانت لنا فرصة لمشاركة في الأدعية الدينية الإسلامية والتي لم تكن معروفة بهذا الجهاز وطبعا كان للقاءات التوعية والإرشاد التي أجريتها وذلك في الإجتماعات التي شاركت بها مع أجهزة الشرطة المختلفة أفراداً وجماعات دوراً جلياً لتوضيح الإسلام والمبادئ السمحة التي قام عليها. وقد لاقت التفاعل الإيجابي من الأفراد والجماعات الذين التقيت بهم . أما ما استفدته أنا من سلك الشرطة فهو حصولي على دورات تدريبية، ولا أقصد دورات أمنية و تدريب سلاح أو ما شابه، ولكن مثلاً.. كيف تخدم الشرطة الشعب بشكل ايجابي وبطرق حديثة . كما تشرفت بعد هذه السنوات بتكوين صداقات عديدة وما زالت مستمرة حتى اليوم والتي أدت الى التفاعل المشترك والمطلوب بين العرب والمسلمين ومكونات المدينه من أصول أخرى . وبعد سبع سنوات قدمت أخ آخر مكاني هو الأخ الشيخ عبد الفتاح توكل لمتابعة ما بدأت به وهو مستمر في عمله ينسج العلاقات الطيبة مع كل أبناء المدينة ممثلين بذلك الجهاز .
س5 : قلت في احدى اللقاءات سابقاً “أنا لا أدعو لكي أقنع الآخر بأن الإسلام يجب أن يسود على الآخرين، لكن أنا أدعو بما لديّ من الفضائل، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن تجد هذه الدعوة وقعاً طيباً عند الآخر، مما يقوي أواصر الأخوة والصداقة والوطنية والمواطَنة في كندا وغيرها”… رغم هذه العبارات الجليّة الإنسانية نجد بعض من الكنديين العنصريين يهاجمون المراكز والتجمعات الإسلامية و يرفضون تشريع الإعتراف بالإسلاموفوبيا ؟ ماذا تقول لهم ؟ .
ج: لدي أسلوبي في عرض فكرتي فأنا لا أملي على المتلقي أن يقبل ما لدي، أنا أعرض بطريقة الحوار الحضاري وأقدم ما لدي، فإما ان يقبل فكرتي أو يقدرها أو يرفضها أو حتى يشجبها فذلك مسموح به هنا فالحرية ممنوحة للجميع ، وهذا الأسلوب ليس من تأليفي ولكنه أسلوب الرسالة المحمدية لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم . والقائمة على الأية الكريمة:
” لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَي ” البقرة:256 حيث لا تفرض دينك على الآخر ، وأيضاً
” وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ .” الكهف: 29
أسلوبي هو الحوار مع الأخرين وبالتالي البعض يستمع والبعض ينصت وآخرون يرفضون لأن لهم أفكارهم، وهؤلاء موجودون بكل مكان وزمان .
والى من يرفض تشريع الإعتراف بالإسلاموفوبيا اتمنى عليه أن يعترف حتى نضع حداً قانونيا ينظم ويصدر قرارا دستورياً على كل من يهاجم المسلمين الكنديين وغيرهم في المساجد والبيوت والشوارع كما حدث مؤخراً هنا بلندن .
س6: هل من دور للتجمعات والمراكز والأفراد من العرب والمسلمين الكنديين للمساهمة في ابعاد شبح العنصرية والكراهية ضدهم في كندا وغيرها؟ وكيف يكون هذا الدور ؟
ج: للأفراد والجماعات دور مهم في ابعاد شبح الكراهية وذلك من خلال تعريف الآخر بقيمنا وحضارتنا ولا يتم ذلك الى بالممارسة والإقتراب من الآخر، يبدأ ذلك من خلال التعليم والتربية من الأسرة نفسها ثم مشاركة الآخر والاحتكالك به في الأسواق والمكاتب والمدارس والرحلات الجماعية أماكن العمل والتواصل مع الجيران وإبراز الوجه الحقيقي لنا من خلال تراثنا المتسامح وتوضيح ذلك للآخر واذا ما صادف تصرف من بعض الجاهلين منا فليس من الضروري تعميم ذلك على كافة العرب والمسلمين . كما للمؤسسات العربية والاسلامية الدور المنظم والقوي للمساهمة في ابعاد شبح العنصرية والكراهية فعليها دعوة اآخرين لزيارة مراكزها ان كانت دور عبادة أو مؤسسات اجتماعية أو تعليمية كما على هذه المؤسسات دعوة أفرادها للمشاركة في اللجان التطوعية الموجودة في كل المدن الكندية حتى يعرفنا الآخر ويتفاعل معنا، كما أدعو الى إقامة الفعاليات والانشطة وتوجيه الدعوة لكل من يرغب من كافة أبناء المدينة للمشاركة حيث يتم إبراز عاداتنا وتقاليدنا الطيبة ، صحيح ان هذه الأعمال لا تؤدي الى تجفيف الكراهية نهائياً ولكن تعمل بالتاكيد على تخفيفها في هذه الأجواء العالمية الملبدة بغيوم البغض للأسف، علينا العمل لابعاد ما هو مخيف للآخرين من تصرفات فردية من بعضنا ونعزلها تماما فهي بعيدة جوهر حضارتنا الإسلامية الإنسانية.
س7 : قبل سنوات قليلة وفي حفل للمغني الفلسطيني محمد عساف في تورونتو، اجرينا لقاءاً صوتياً سريعاً معكم وكنتم المتحدث الرئيس في الحفل لجمع التبرعات للمحتاجين في فلسطين .. هل توافقون الرأي الذي ينادي بأن العمل الفني الواعي له الدور الأكبر في توعية الشعوب وخاصة في كندا حيث الأصول والمنابت المختلفة .
ج: في ذلك الحفل الذي نظمته مؤسسة الإغاثة الإسلامية الكندية في تورونتو قبل عدة سنوات قلت حينها ان دور المسرح ودور المنبر يجب أن لا يكونا باتجاهين مختلفين، والا فان شبابنا سيختارون المسرح ويتركون المنبر، فمن الناحية العملية يطغى السمر والفن على ما سواه لذلك يجب ان يكون الفن هادفاً واعياً واذا كان غير ذلك فهو يدمر المجتمعات ان كانت اسلامية او غيرها . وهناك امثلة عديدة لمن قدم أعمالاً فنية راقية وواعية خدمت الدين والإنسان . لذلك من الضروري أن نكون عمليين لا منظرين .
س8 : هل تتابعون العمل الإعلامي والثقافي العربي الكندي وما رأيكم بمستواه وما هو المطلوب منه كي يصل الى أعلى المستويات في كندا. ؟
ج: الإعلام يتغدى بالفكر الراقي المسؤول، وحتى يحقق ذلك ويكون بالمستوى المطلوب وبمتناول الناس وحاجاتهم فإنه بحاجة للدعم المادي ، وأنا أشجع هذا الإعلام الواعي وأشعر بالتفاؤل بأنه يسير بالخط السليم وآمل من القادرين على دعم هذا الإعلام العربي في كندا والغرب عموما ً أن يقدموا الدعم بكافة أشكاله كي يرقى إلى درجات متقدمه تخدم مجتمعنا و فئة الشباب خاصة، وهم الذين لا يقرأون حالياً المقالات الطويلة التفصيلية لذلك علينا ان نتواصل معهم بالطرق التي يرغبونها وذلك من قنوات التواصل الحديثة السريعة .
كما أتمنى على الاعلاميين الكنديين الناطقين بالعربية أن يرصوا صفوفهم من خلال جمعية أو إتحاد ينظم أمورهم ويحفظ حقوقهم المهنية والحرفية ، إسوة بزملائهم من الأعراق الأخرى في كندا .
س9 : د. القاسم وأنتم الإمام والمربي الفاضل، ما هي نصيحتك للأسر في المجتمع العربي الكندي بكل طوائفه وأصوله كي ينسجموا ويتفاعلوا مع النسيج الكندي بكل ألوانه وأطيافه وحتى يتبوأ أبناء هذه الأسر مراكز هامة على كافة الصعد في بلدهم الجديد.
ج : تعاني الأسر العربية هنا من تحديات كبيرة والحديث عنها يتطلب الكثير من الوقت ، وحتى نوجز نستطيع القول: بأن تحديات الإنتقال من حيز مكاني إلى آخر مع الحفاظ على المبادئ والقيم التي كانت تمثل حياتنا كعرب وكمسلمين هي عملية ليست سهلة . لذلك علينا القيام بتدريب أنفسنا وأولادنا ومن خلال مبادئنا وقيمنا على التفاعل وبطريقة ايجابية مع المحيط الذي نعيش به وذلك كي لا يشعر أولادنا بالانفصال والانفصام وكي لا يختاروا الغريب بدل الغنى الحضاري الذي نمتلكه الذي أتينا به إالى هنا .
الكثير من الأسر العربية تركت المبادئ واستسلمت للتحديات وتركت بوتقة العائلة العربية الشرقية المحافظة وعاشوا في الأجواء الجديدة ليكبر صغارهم بمحيط غريب . ومشكلة أسرية ثانية هي الخلافات بين الزوجين وأخرى بين الأولاد وأولياء أمورهم والتي تزداد بسرعة كبيرة مما يخيف المسؤولين عن معالجة هذه الامور إن كانوا من أئمة المساجد أو من مؤسسات إجتماعية أخرى . وهنا أود أن أوضح نقطة أرى بأنها جديرة بالتركيز عليها وهي إصرار بعض أولياء الأمور على أن يكون أولادهم نسخ عنهم ، هنا يحضرني قول مأثور يوزن بماء الذهب للصحابي الجليل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال فيه : “لا تربوا أولادكم كما رباكم آباؤكم، فقد خلقوا لزمان غير زمانكم” نجح بتطبيق ذلك وفشل الكثيرون . الحقيقة انشغلت أسر عديدة بالجانب الإقتصادي وغرتهم المظاهر وانطلق أولياء الأمور الى أعمالهم وتركوا صغارهم الى التلفزيون وحالياً الهواتف بذكيها وغبيها وغير ذلك من أجهزة التسلية والألعاب التكنولوجية الحديثة، وبالتالي قل الرابط الأسري بل اختفى عند البعض للأسف. علينا المحافظة على اللُحمة الواحدة لبقاء الأسرة العربية الكندية متماسكة ومنفتحة على الآخرين ضمن حدود واعية. يجب أن نزرع ذلك فينا كأباء أولاً ثم كأبناء حتى نمكنهم من عبور هذا التغيير بنجاح بين مجتمعين وبيئتين مختلفتين الى حد ما .
س10 : كلمة أخيرة من حضرتكم لقراء جريدة ساخر سبيل وموقعها الاليكتروني كندا سبيل .
ج: في الخاتمة لا يسعني الا أن أشكر الأخ محمد هارون وأسرة جريدة ساخر سبيل التي قدمت الكثير لأبناء الجالية والتي مكنتني من المشاركة ببعض الأراء المختلفة وبمسائل هامة لأبناء المجتمع العربي الكندي . وبالنهاية الخص مشاعري بفكرة أو مبدأ وهو : أن نعيش في كندا ككنديين ولكن بنفس مبادئنا التي جئنا بها ، ولكن للأسف البعض يفكر بترك كندا والعودة لبلده الأصلي وخاصة حين حصوله على الجنسية الكندية ، وهذا غير منطقي، فعلينا حرق مراكبنا كما فعل القائد طارق بن زياد ، طبعاً أنا لا أعني بذلك تناسي بلد المنشأ والأصل معاذ الله ، بل أقصد بذلك أن نوسس في كندا وجوداً تفاعلياً حضارياً ونبني سفناً لنعبر فيها باتجاهين للذهاب والعودة كي ينشأ جيلاً يستشعر بالفخر بأصوله العربية الإسلامية وبالفخر والإنتماء لبلده الجديد كندا بلاد العطاء والمحبة . ونريد أن نكون جزءاً أصيلاً فاعلاً في هذا المجتمع الجديد ولا يتم ذلك إلاّ باتحادنا وعملنا بقلب واحد وعقل متفتح وأيضاً أن لا ننشغل فقط بتفاصيل ومشاكل السياسية والسياسين في بلد المنشأ وننسى كيف نصلح ونطّور من عملنا في السياسة الكندية . أسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق والسداد، ولأبناءنا مستقبلاً زاهراً بإذن الله.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
***
الخاتمة :
باسم قراء ساخر سبيل وكندا سبيل… نتقدم من الدكتور منير القاسم بالشكر الجزيل لمقابلته لنا وتبيان رأيه وتقديم نصائحه للأسر العربية الكندية، ونرجو أن تلاقي هذه المقابلة ما هو ثري و مفيد للجميع .
***