لقاء مع الشاعر الكبير ذوقان عبد الصمد
محطات شعرية ورحلة عمر من لبنان إلى كندا
إعداد وحوار/ الدكتور أحمد البوريني
(المنتدى العربي الكندي للحوار الثقافي وجريدة ساخر سبيل )
_____________________
– المقدمة : ضيف المنتدى العربي الكندي للحوار الثقافي وساخر سبيل لهذا اليوم من نوابغ الشعراء في عصرنا، يحمل على عاتقه مسؤولية الكلمة، يطوِّع بحور الشعر وموسيقاه وإيقاعه فيصوغ الموقف والقضية والحدث صورةً شعريةً تفاعلية تفيض جمالاً، وتزداد ألقاً حين يلقيها على مسامعك. يحملك إلى كل الدروب، يحدثك عن الجمال والمحبة ووجع الوطن وشوق المهاجر؛ إنه الشاعر العربي الكندي ذوقان عبد الصمد.
التقيت الأستاذ ذوقان أول مرة في إحدى الأمسيات الشعرية في مدينة ميسيساغا الكندية، فكان حضوره مبهراً وتواضعه لافتاً، وشِعره ينتمي إلى كل الأزمنة من القديم إلى الحديث.
من الوهلة الأولى تدرك ما أدركه من قبلك الشعراء؛ أنك أمام قامةٍ شعرية قلّ مثيلها ودرةٍ نفيسة لم يصل إلى جلِّ مكنوناتها المتلقي أو الباحث أو الناقد الأدبي بعد، رغم ما يتمتع به الشاعر من شهرة وحضور في أوساط الأدباء، فما زال هناك بين طيات دواوينه الكثير ليماط عنه اللثام. قصائده رحلة عمر تمتد من لبنان إلى كندا. فقد عاش شاعرنا حياته في مراحلها الأولى في عماطور الشوف بلبنان في بيت ينتمي للطبقة المتوسطة. وكان مولعاً بالشعر منذ نعومة أظفاره، فنال جائزة كتاب أكابر لميخائيل نعيمة في مسابقة خطابية لطلاب المدرسة عن قصيدته من قبل اللجنة التحكيمية في مدرسة عماطور. واستمرت رحلته عبر سنين ومحطات كثيرة. وصل إلى كندا منذ سنوات، حاملاً تاريخه وذكرياته، وقلمه الذي لم يتجاوز مناسبة أو واقعة إلا وقد رسمها شعراً وصورها لنا حكاية، بقريحة فياضة وعطاء لا ينضب. لضيفنا دواوين مطبوعة عديدة منها: منائر، دروب الغمام، رياح وأشرعة، ذاكرة الغياب، عابرات على جسد القصيدة، وعين العريش؛ فضلاً عن ستة دواوين جديدة لم تطبع بعد. نال جائزة البابطين للإبداع الشعري، وجائزة من مركز التراث العربي عن أعماله الشعرية. من الصعب في رأيي أن تختصر كل تلك المحطات والمؤلفات وما حوته من عشرات القصائد بمناسباتها وأبعادها في لقاء موجز، دون أن تغوص في أعماق تلك الدواوين، فتنهل منها ما يشبع روحك وما يعبر عنك من كلمات صادقة، أيّاً كان الغرض الشعري رثاء أم وصفا أو فخراً أو زهداً.
فها هو الأستاذ ذوقان في ديوانه الاول يختتم قصيدته في رثاء الشاعر عمر ابو ريشة ببيتين في قمة التعبير:
فجع المنبر الفسيح ولفت جبهة الشرق بعدك الأشجان
ومشت في ظلال قبرك تبكيك القوافي وأمتي والزمان
ثم في ديوانه “صلاة المغيب” المنشور في عام 2018 الذي أهداه “إلى شعراء وأدباء المهجر الذين يحملون على مناكبهم هموم الوطن… تقديراً لوفائهم ومحبتهم”، يحاكي معاناتهم وشتاتهم وحنينهم عبر تجربته، حين يقول:
ما زلت أتعب في غيابات التوجس والريوبِ
ضيّعت ظلي وهو يوغل في متاهات الدروبِ
أمشي تفاجئني المفارق خلف داجية الخطوبِ
فأحار كيف ألمُّ أشتاتي على شوك الغيوبِ
ما عدتُ أعرف وجهتي من عاصف الريح الرهيبِ
وقد تشرفت خلال اللقاء بطرح عدد من الأسئلة على الشاعر الكبير الأستاذ ذوقان عبد الصمد ضمن عدة محاور ومحطات:
– الحديث عن البدايات
تشكل العلاقات الأولى مع الأسرة والحي والمدرسة خلال مرحلة الطفولة اللبنة الأولى في البنية النفسية والاجتماعية لأي فرد منا، مما يسهم في تبلور باكورة الوعي بما حولنا في هذه المرحلة، ومما قد يؤثر في رسم ملامح الموهبة والتجربة الفنية، فيترك آثاره على المسيرة الإبداعية ككل؛ فكيف كانت انطلاقة الشاعر ذوقان عبد الصمد؟ وكيف يصف تلك البدايات، وتأثيراتها على رحلته؟
فقال الأستاذ ذوقان بأن العلاقات الاولى مع الاسرة والحي والمدرسة والمجتمع أسهمت في خلق الإدراك وإيقاد الموهبة لتفعل فعلها في مسيرتي الشعرية، وبداياتي كان لها الأثر الكبير في توجيه إحساسي الى التكامل الفني فرافقتني الى المسلك الذي يقودني الى مكامن الحركة الإبداعية والانفتاح الشخصي على حقيقة العصر وطبيعة المرحلة. وكان لي التهيب من مواجهة الواقع، وظلت ذكريات المراهقة تنطوي على إشارات كثيرة تدفع بي الى النضج والوعي الخلاق.
بمن تأثر الشاعر ذوقان عبد الصمد من الشعراء والأدباء، ولأي المدارس الشعرية ينتمي؟
قرأت الكثير من الدواوين لشعراء معاصرين وقدامى، ولكن تأثري الأكبر كان بالشاعرين محمد مهدي الجواهري وسعيد عقل، مع اهتمامي الكبير بشعر المتنبي، والبحتري، وابي تمام وغيرهم. وبقيت أراعي خصوصيتي وتفردي في عالم الشعر. ويمكن القول بأنني أنتمي الى المدرسة الكلاسيكية، ومدرسة أبولو في عهد الرومنسية، ومن الماضي العريق بالأدب الكلاسيكي والحفاظ على الشعر الموروث.
– النتاج الشعري والإنجازات؟
عرفنا بأن الشاعر ذوقان عبد الصمد الذي نشر 12 ديواناً حتى الآن. وفي الوقت الذي ضربت جائحة كورونا بقوة كل مناحي حياتنا وتركت آثارها النفسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، فعطلت مسيرة العطاء على مختلف المستويات؛ وجدناك تتحدى تلك المصاعب، بل وتضاعف من عطائك الأدبي على نحو غير مسبوق، بإنتاج غزير وصل إلى ستة دواوين شعرية جديدة؟ كيف تصف هذه المرحلة؟
ودعت مرحلة المراهقة بتغيرات في الحالة النفسية والفكرية. ومهما نزعت الى تجنب الالم لم أكبح مكبوتاتي التي تتفجر شعرا حزينا يتشعب في أطر متباينة الأشكال؛ وقد أثرت بي المأساة التي هبت رياحها على الشرق، وعلى الوضع الاجتماعي والانساني وعلى قبح الواقع وتخلفه.
لم أرتض بالعزلة فواجهت وتحديت بما يمليه عليّ الواجب والانطلاق من الذاتية والموضوعية ومن الانانية الفردية الى الإنسانية، أصارع اللاوجود لأجبره ان يمنح وجودا. ورغم ظروف الجائحة، عملت في عزلتي الخلاقة لإبعاد الناس عن قناعتهم بالألم وجددت ستة دواوين تلبية لدور الشاعر بالمساهمة للخروج من جانب الظلمة الى الجانب المضيء وفي ظلال هذا الواقع.
أتاحت لي الظروف الالتزام الاجتماعي، ورغم السكون في كندا، يبقى للجرح صوت ينبهني على ما يحدث في بلدي ويمد الصوت بالمزاوجة بين الحرف والحالة النفسية والتعبير عن التوتر. ويحضرني ما قاله سعيد عقل، المهم الانسجام الصوتي مع صدق الانفعال والمظهر الحسي واتحاد الفكر والعاطفة.
سعيد عقل، قلت في رثائه:
لبنان قلت عراك الدهر حلبته يسقي العُلى مِن شقا الأيام إن تعبا
لبنان قالوا صغيراً قلت ما صغر منه سعيد كفى كونَّا به رحبا
سألت الأستاذ ذوقان: هل القصيدة ملجأ الشاعر وقت الحزن والغربة والأزمات، أم هي الناي الذي يعزف به ليصل إلى مكامن المشاعر فيرسلها مع نسيم الصباح، وتغريد البلابل، وفوح البساتين؛ رسالة محبة لكل أولئك الذين ينتظرون من يعبر عن أوجاعهم وآمالهم؟
القصيدة ملجأ الشاعر وسراجه تشد به الى عزلته الخلاقة التي يدعو اليها ستيفن سبندر، ولكن القصيدة تتركه بعد حنّائها وتذهب الى مدارها الإنساني في نشر الوعي والمواجهة والتحريض للخروج من العتمة الى انسكاب النور والجمال. وما فعلته القصيدة في مراحل تاريخنا العربي كان عظيما في كل الأغراض الشعرية، من وصف وغزل ورثاء وغناء وتفاعل مع الحركة الإبداعية. القصيدة العصماء والمجنحة تفتح لها الأبواب لتدخل وتخفف من المعاناة وتوقظ غزالة الروح على بهاء سرمدي.
من الديوان الأول إلى آخر ديوان لم يطبع، كيف يقيم الشاعر ذوقان عبد الصمد تجربته الشعرية؟ وهل يصل الشاعر في مرحلة ما إلى ما يسمى النضج الشعري أو الأدبي؟
تجربتي كانت جميلة رغم الصعوبات التي أرخت بثقلها على مداركي الفنية، ولا شك أن قرض الشعر أمرٌ صعب، بحاجة الى التملك من عناصر اللغة والمقدرة على قطف الصور، لتتفاعل مع الروح الإنسانية. وقد عشت حالة التصادم مع اللغة حتى تتجاوز الكلمة معناها وتبرق من بعيد خلف وشاح من ضباب رقيق.
والموهبة لا تكفي، فهي ترافق العمل الصعب وتراقب الانفعال النفسي. تعودت ان أدور حول القصيدة لأتأكد من جمال التحول، ومحاكاة الإشارة، وبقاء طرحتها بعيدة عن ريح التغيير. نافست كثيراً من الصعوبات، ولكنني رضيت بما وصلت اليه وتابعت. وقد يصل الشاعر الى مبتغاه بالممارسة، والاضاءة على الطريق التي تشق له لبلوغ مراقي النضج بلا تردد واحباط، ولا يسمح لعبقريته بالوقوف خائفةً على باب الدهشة قبل الولوج الى الممالك العالية.
بقية اللقاء مع الشاعر الأستاذ ذوقان عبد الصمد
****
– العلاقة مع الشعراء الآخرين
نعرف بأن الشاعر ذوقان عبد الصمد، ارتبط بعلاقات وطيدة مباشرة مع الكثير من الشعراء المعاصرين، إضافة إلى معارضته الشعرية لعدد منهم، ومن الشعراء غير المعاصرين. من هم أولئك الشعراء؟ وكيف وصفت بعضهم، ورثيت آخرين؟
علاقتي كانت وطيدة مع كثير من الشعراء المعاصرين منهم: سعيد عقل، فؤاد الخشن، محمد علي شمس الدين، شوقي بزيع، هنري زغيب، بلند الحيدري، أنور سلمان، و ميشال كعدي.
عارضت بشعري قصيدة سعيد عقل بطه حسين، وعارضت قصيدة الجواهري بأمين الريحاني، وقصيدته على قبر البحتري، وعارضت قصيدة المتنبي في مدح كافور؛ وهم من الشعراء الكبار والقامات العالية، ينطوي شعرهم على وضوح المعاني، وجزالة التركيب، والتكامل الفني، عبر شكلية متميزة ومتحركة لإدراك القيمة؛ تدور حول أصوات ثلاثة: علاقة الشاعر بذاته بالمضمون وبالمطلق. وتتمثل هذه الأصوات في تحديد المسافة بينه وبين المضمون، وهناك تباين المعطيات الفكرية بين الشعراء.
رثيت الجواهري، وبدر شاكر السياب، ومحمود درويش، وسميح القاسم، وجبران، ونزار قباني، وعمر ابو ريشة، وفؤاد الخشن وغيرهم. وحاولت ان اكشف القيمة الراقية في شعرهم وفعالية الدور في تعزيز الحركة الثقافية والاجتماعية.
وفي رثاء الشاعر الفلسطيني محمود درويش قلت:
لم ترجىء الموتَ … خُذهُ في جِنازتهِ
وعُدْ … وفي راحتيك السُحب والمطرُ
مشت فلسطينٌ خلف النعش باكيةً
كأنها في الوداع المرّ تعتذرُ
غداً توفيه تُعلي نصبَ شاعرها
به تَشامخ هامِ الشرق يُختصرُ
يا شاعر العصر، اكتب وعيَ ملحمةٍ
أسطورةً في ضمير الكون تُحتكرُ
– التطور المستمر
من اللافت أن الشاعر ذوقان عبد الصمد ومن خلال ثقافته الواسعة على اطلاع دائم على التجارب العالمية والمحلية، فهو الشاعر الذي يطور أدواته ويوظف روائع الأدب العالمي من الحكاية إلى الأسطورة بأسلوب شعري فريد، ليوصله إلينا قصائدَ رائعة تغني الفكر وتحاكي الواقع وتضفي البهجة، وتستفز الذائقة الشعرية على نحو قل نظيره. كيف تعلقون على ذلك؟
لم تضق بي المساحة في الخيارات التقليدية التي ما زالت تطلب مني الأكثر ولكنني أدخلت في المنهجية، ما يعمق الرؤيا في تطلعاتي الى الأدب العالمي ما يحمل من بعد ثقافي.
كتبت قصائد عن:
• تولستوي في الحرب والسلام
• هيمنغواي في العجوز والبحر، وفي وداعا للسلاح
• طريق الحرير
• بابلو نيرودا: عشرون قصيدة حب وأغنية
• صاموئيل تيلر: البحار القديم
• المعتمد بن عُبَّاد، أمير وشاعر أندلسي
• أدونيس وعشتروت، السندباد، مانديلا، ابن سينا، ابن خلدون، غاندي، والحضارة العربية
في هذا المجال الانعطافي أغنيت المسيرة الشعرية بإطلالتها على آفاق جديدة واكتسبت منها ما يضفي على من جمال وأحاسيس في مدار العلاقة بين القديم والجديد
– شعر المهجر
تميز شعر المهجر بالتحرر من قيود القديم، وبالحنين إلى الوطن والتأمل والنزعة الإنسانية وبراعة الوصف، وعمق الشعور بالطبيعة، والطابع الإنساني، كما هو الأمر بالنسبة لكثير من الشعراء أمثال أمين الريحاني، وميخائيل نعيمة، وإيليا أبي ماضي، ونسيب عريضة، وأحمد زكي أبو شادي، وغيرهم ممن هاجروا ما بين أواخر القرن التاسع عشر ومنتصف القرن الماضي، فتركوا تأثيراً عظيماً في الأدب؛ والسؤال هنا: هل يتسم شعر المهجر بالنسبة للشاعر ذوقان عبد الصمد بصفات خاصة من حيث الموضوع وأسلوب الطرح، والإبداع الفني؟ وهل تتخذ المفردات دلالات أخرى قد تكون أعمق وأبعد عندما يكون الشاعر بعيداً عن مراتع الصبا والشباب؟
كتبت عن شعراء المهجر وألقيت قصيدة في أحد الاحتفالات تناولت فيها الدور العظيم الذي قاموا به وختمتها بهذين البيتين:
ما بدعة الشعر أقمار منورة تقول غابت ويبقى الضوء منسكبا
في جنة الخلد مُذ حطت رحالهم تنزلت بالردى ارواحهم كتبا
وأدهشني تعلقهم بالوطن الذي تركوه والجمال الساطع بقصائدهم وما نشروا. أنشأوا الروابط التي نستلهم من علياتها الكثير من الحس الوطني والانساني وكان أسلوبهم غنيا بطرحه في المدارات الواسعة والمختلفة، لن ينطفئ سراجهم مهما دارت رياح الحقب. وقد ادخل نتاجهم في رحاب التعليم ولم يزل لما فيه من فكر وقيم ومفاهيم سامية . لا شك ان المفردات من ايام الصبا تظل تحمل الى الشاعر في غربته الفرح والشجن والحنين يستعيدها على نبض حروفه لتكتمل الرسالة.
هل تجد بأن شعراء المهجر ومن ضمنهم شعراء العربية في كندا خلال عصرنا الحالي يؤثرون في الحياة الأدبية؟ وهل استطاع الشاعر العربي في كندا من منظور تجربتكم، الوصول إلى المتلقي في المجتمع الكندي بخلفياته الثقافية المتعددة، موظفاً في ذلك الترجمة؟
ترجمة الشعر العربي الى اللغات الأخرى مسألة صعبة، وتشكل تحديات على عدة مستويات، وقد تقع في اللاوعي، ويخشى ان تغور به وتعجز عن تثبيت الوعي والبعد في مذهبيته. ويبقى الصراع المتداخل ليبعد الشكلية الفنية الظاهرة في القصيدة؛ ويتميّز هذا الصراع بالتحول وبالتصدي الى اللمحات في رقصة الشعر لتظهر القصيدة بشكل مأزوم بعيدةً عن الوهج الإيقاعي.
فلنترك للترجمة ان تقوم بعملها وتخرج المضمون، ليس هناك من اطر فنية لعدم الاخلال بالنص.
هل هناك رسالة معينة لأدب المهجر (في كندا)؟ وهل يحمل الأديب على عاتقه اليوم الحفاظ على هوية محددة للمجتمع العربي الكندي؟
أدب المهجر في كندا يحمل رسالة، وليس رغبة عابرة؛ بل هي تعبير عن مرحلة في حياة المجتمع يسيطر على الرواد حتى اللحظة الاخيرة من حياتهم، وتتسرب الى واقع المجتمع العربي الكندي. والرواد يحملون المهمة المناط اليها في ترسيخ العلاقة والحفاظ عليها وعلى المفهوم القائم والتطبع على خلق زمن جديد. ويظل التعبير عن حياة المجتمع العربي الكندي بتفاصيلها من القضايا التي يحملها الأديب على عاتقه ليعكس صورة واقعية على المستويين الفردي والجماعي من خلال أعماله، مما ينعكس بالتالي إيجاباً على خصوصية الهوية الثقافية.
كيف ترى الواقع الثقافي للمجتمع العربي الكندي حاضراً ومستقبلاً، ومدى إسهام الفعاليات والأنشطة الثقافية ومنها الشعرية، في التعبير عن قضايا المواطن العربي الكندي؟
في الوقت الحاضر لا ارى العمل الأدبي في المهجر ينطلق الى المسرح المهجور من زمن بعيد، فهو بحاجة الى دار نشر ومكتبة ومنبر واحتفالات ولقاءات ومجلات ادبية تساهم في نقل المواضيع المطروحة، والاهتمام بالتركيز على تعليم جيل الشباب اللغة العربية، وعدم الاكتفاء باللغات الأجنبية.
أملي في المستقبل تنشيط وتحديد الأُطر الفنية والأدبية، وان يفسح المجال لكل الأنشطة لخدمة الأدب المهجري في كندا، وأن يضع الآخرون تجربتهم الشعرية ضمن مناخ شعري ترتسم فيه اتجاهات مختلفة، وتنمو وتستمر على بريق ضوء بعيد من آفاق لا يعرفها الا الشعراء.
أبيات مختارة:
وفي ختام اللقاء، يسرني أن أدعو القارئ الكريم للاستمتاع بتتبع مواطن الجمال وحسن الصنعة في شعر الأستاذ الكبير ذوقان عبد الصمد من خلال أبياته التي اخترت لكم في الوصف والغزل وغيرها من أغراض الشعر. من قصيدة “شلالات نياغرا” في ديوان سنديانة التل، يقول الشاعر ذوقان عبد الصمد في وصف ذلك الشلال المهيب:
ضاقت به فمشى بالفور ما ردُه
إلى البحيرة، لا يُبقي ولا يذرُ
أخال رهبتَه تروي حكايتها
في دفْقهِ قُدرةُ التكوينِ تُختصرُ
رذاذه، يومَ ريحُ القطبِ تلفحُهُ
تجمَّدُ الفارعات البيضُ، والسُترُ
هناكَ أخشعُ، أحكي اللهَ مندهشاً
أنّى التفَتُّ صَفيّ الروح أنبهرُ
لقد شعرت حين قرأت هذه الأبيات للأستاذ ذوقان في وصف شلالات نياغرا وكأنني أمام المعتمد بن عباد صاحب قرطبة ومحبوبته الرميكية زمن الأندلس، حين قال المعتمد في وصف مداعبة الريح وضوء الشمس لماء النهر:
صنعَ الريح من الماء زرد (فأكملت الجارية الرميكية عجز البيت قائلة:)
أيُّ درعٍ لقتالٍ لو جمد
ومن قصيدته بعنوان “أبعدوا الذهبا” المهداة إلى شعراء المهجر الغائبين يقول الشاعر ذوقان عبد الصمد:
من مفرق الشمس جاؤوا من رُبى جبلٍ
بما ازدهى أقلقَ الآكام والرّحبا
أكرِم بهم نُبغاء الشرق، شرّفهم
أن يرفدوا بجمال الخُلق منتسبا
غابوا وأبقوا على الدنيا منابرهم
حتى تبوح بما أغنى وما وهبا
كأن صوتهم في الموتِ رَدُّ صدى
يستقرئ الغيب والطيب الذي احتُجبا
نلم في وحشةٍ ما الحسنُ جرّحه
شوقٌ يبيتُ بهدبِ الشعر مُنتحبا!!
ونسرقُ الآه من جرحٍ ونسكبها
دمعاً يرقُّ على الأوجاع ملتهبا
عروسة الشعر جاءتني محدثةً
عن الأُلى ألبسوها الزاهر القُشبا
عن الأُلى أشعلوا في ليل غربتهم
بّرقاً يحاكي غمام القطبِ والسُحبا