ثقافيات

لقاء سبيل : مع الفنانه هنادي بدر – هاملتون اونتاريو

العدد 92-صفحة 8 و صفحة13

أجرى اللقاء : محمد هارون

***
المقدمة :
… مع الفنانة التشكيلية والأديبة هنادي بدر يصعب التقاط البدايات، فحتى تلتقي معها أنت مضطر للقراءة والمتابعة والبحث بعمق .. مرتبك لا تعرف كيف تنطلق، والسبب هو انك أمام ملف ثري غني لشخص تعتقد بأن عمره وتجربته تزيد عن ثمانين عاماً… فهذه الإنجازات الفنية والأدبية المتعددة و التي تاخذ طابع الهواية بسبب مجايلتها و استمرارها مع الحياة العادية … هذا بحد ذاته يعد أمراً صعباً ويحتاج الى شخصية خرافية بعمرها وعطائها، ولكن تزول الغرابة عندما تعرف بأن هذه الأم والزوجة والفنانة والتي هي في مقتبل العمر، فلسطينية….

نعم … هذا يكفي فقد زال الالتباس، لنبدأ :

ساخر 1 : هنادي .. من أين لك كل هذا الوقت وأنتِ الأم والزوجة والفنانة والأديبة .. هل ساعات نهارك أطول من نهارنا ؟
هنادي 1: قبل فترة وضعت على صفحتي منشور كنت أطلب فيه على سبيل الدعابة شراء وقت من الذين يشعرون بالملل ويشتكون طول النهار، وأعلم أن البعض قد يشتكي لأن نهاره لا يكفي لينجز وينهي الكثير من متطلبات الحياة و أعمالها، ولكن أعتقد بأن السر لتحقيق الأفضل هو تنظيم الوقت أولًا و الإيمان بأهمية ما نقوم به والحب والشغف الذي يرافق العمل، فأنا أضع أمومتي وإلتزامي تجاه أولادي وبيتي وأسرتي أولاً وأنجز في بداية نهاري معظم الأمور التي تتعلق بالمنزل والتحضير لاستقبال اطفالي بعد المدرسة، وفي وسط النهار قد أقوم بالتحضير لعمل فني وعمل دراسة أولية للعمل، بعد عودة أبنائي نجتمع لوجبة الغداء التي ينطلق بعدها كل إلى عمله وهنا يكون لدي بعض من الوقت لاكمال عمل فني او الإتطلاع وتصفح أو متابعة إحدى إهتماماتي الفنية او الأدبية او حتى التأمل والمشي اذا سمح لنا طقس كندا، و في المساء وبعد قضاء بعض الوقت مع عائلتي قد أعود لمرسمي قبل وقت النوم اذا كان هناك لوحة لم تكتمل ولا استطيع النوم دون ان أقوم بوضع بعض الألوان هنا وهناك، هذا هو نهاري الطويل الذي يقصر- أحياناً- ولا يكفي لإتمام ما أريد إنجازه.

ساخر2 : أجريت مع حضرتك العديد من اللقاءات وفي أكثر من مكان ووسيلة ولكن لساخر سبيل الشرف باستضافتك لأول مرة بين عرب تورونتو الكبرى .. حبذا لو تقتطفين لنا من سيرتك الذاتية ما يثري من معارفنا ..وأخبرينا بحكاية البدايات .
هنادي 2 : كانت البداية في مدينة الخليل مسقط رأسي في فلسطين، كان بيتنا على أحد جبالها الشامخة وقد كنت ومنذ طفولتي محبة للرسم فكنت أزور جدي المالك لمقهى بدران في حارة القزازين في البلدة القديمة التي كانت بأزقتها وشوارعها وحجارتها القديمة ووجوه سكانها ومرتاديها هي ما شكّل المخزون الأول والمنبع الذي أستقي منه الكثير ليزين أعمالي الفنية ، وهناك كنت أستعير من جدي اللوح والطبشور لأرسم أولى لوحاتي وهناك أقمت بكر معارضي، وكانت جدران مدرستي هي المعرض الثاني الدائم للوحاتي، وطالبات المدرسة ومعلماتي هنّ أول من انتقد بحب كل ما رسمت، ونادي اللغة العربية المكان الذي اكتشفت فيه حبي للغة العربية وكتابة بعض الخواطر الأدبية، شاركت في مسابقات فنية وكان
الفوز دافعاً لأقرر أني أريد أن أصقل موهبتي بدراسة الفن، فعلى الرغم من أني كنت متفوقة في الفرع العلمي إلا أنني درست الفنون الجميلة كما حصلت على دبلوم تربية لأعمل بعدها معيدة في كلية فلسطين التقنية في رام الله لفترة قصيرة كما عملت مدرسة تربية فنية في مدينة الخليل قبل سفري بعد ذلك إلى الإمارات ومن هنا بدأت رحلتي خارج الوطن.

ساخر 3 : للفن التشكيلي مناهجه أو مدارسه كباقي الفنون .. في أي مدرسة صنفك النقاد وأنتِ أين ترغبين في الجلوس لتبدعين ؟
هنادي3: في بداياتي كنت أميل للرسم الواقعي، ربما لأنه الطريق الأفضل لتعلم أساسيات وأصول الفن وخلال دراستي وعندما تعرفت على المدرسة التأثيرية التي تهتم بدراسة اللون وتأثير الضوء الساقط على الأسطح وتحليل ألوانها عشقت تلك المدرسة فأحببت أعمال ڤان كوخ ورينوار وسيزان كما لا أنكر حبي لأعمال بيكاسو التكعيبية والتعبيرية، وأعتقد أن مزيجاً من هذه المدارس الفنية بالإضافة إلى زيارة العديد من المتاحف والمعارض المهمة خلال أسفاري كزيارة متاحف روما وإسبانيا وبريطانيا ومشاهدة الفنون الفرعونية في مصر والفن في تركيا وأمريكا وطبعاً كندا وغيرها… كل هذه المشاهدات تصقل وتدخل في تكوين أسلوب الفنان ، وهو ما خلق وميَّز أعمالي فهي أقرب للتعبيرية بألوانها ورمزيتها مع مسحة من الواقعية المستوحاة مما عشت ورأيت وأختبرت.

ساخر 4: من متابعة لوحاتك.. لماذا انتصرت للوطن والمرأة ؟

هنادي: 4: نخرج إلى هذه الحياة فتكون الأم أول المرحبين المحبين الحاضنين، ونكبر في حضن أوسع هو حضن الوطن الأم، نرى الأم المربية المعلمة الزوجة المعطاءة التي تغمرنا بكل عطف ولين وتكون ذلك الجبل الذي يقف مدافعاً عنّا أمام كل ريح عاصف، وإلى جانب الرجل تكون الزوجة المدافعة عن العائلة و الأرض، الأم هي رمز للوطن، والوطن هو الأم، وحين تغترب عن الوطن الأم أنت تشتاق لكل تفاصيل الحياة وتفقد الأمور البسيطة والكبيرة الكثير من الحياة، وهذا يبقى الهاجس في أعمالي فأرسم تفاصيل الوطن، أرسم الجمال في زهرة أو سماء، أرسم المحبة في عيون طفل أو شيخ، أرسم عشبة خضراء معلقة بجدار بيت قديم تنتظر عودة مسافر أو مُهجَّر، أرسم القبة الذهبية تمنح لونها للشمس…وقد ظهر هذا في جميع معارضي الفردية والمعارض الجماعية التي شاركت بها في فلسطين والإمارات وكندا، وقد إعتدت التركيز على موضوع أو عنصر ليطغى على المعرض ، ففي فلسطين قبل عامين حمل معرضي اسم شقائق النعمان وقصدت بذلك المرأة الزهرة التي ترمز للأرض والوطن.

ساخر 5: بعد كوفيد 19 “الحياة بكل تفاصيلها ستنقلب رأس على عقب” .. هل بدأت بمشاريع لها علاقة بتلك المقولة؟

هنادي5: أحاول دائماً التأقلم مع أي موقف أو ظرف محاولة تحويلة إلى فرصة للإنجاز والعمل على أي صعيد، فبعد كوفيد 19 بدأت بإكمال مشروع فني كنت قد بدأته قبل عامين وهو إنجاز مجموعة من اللوحات التي يجمعها أنها لوحات منبعها أعمال لفنان الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، فلطالما فكرت بعمل لوحات ملونه لأفكار تلك الرسوم الكاريكاتيرية الخالدة وهذا ما أتمنى أن يكون بمثابة تكريم لقامة فنية رحلت شهيدة للقضية، وإلى جانب هذا ولأن الفنان لا يمكن أن يمر بحدث ولا يتأثر ويعبر عن ذلك في عمله قمت برسم لوحة لفتاتان تضعان الكمامات وتنطق العيون بالكثير الذي سيقرأه المتلقي كل بحسب حالته، وأعتقد أن أعمالاً قادمه ستتطرق لنفس الموضوع بشكل إنساني، وبعيدا عن الفن أحاول أن أستغل الظرف وأصيره ليظهر بوجه إيجابي كقضاء وقت أكبر مع أسرتي لتحقيق أهداف تثقيفية والمساعدة على التعرف بشكل أكبر على تراثنا من قصص وأغاني وروايات قديمه أو متابعتهم بالقراءة للغة العربية والجلوس معاً لمشاهدة فيلم، كما أتابع بشكل أكبر هواياتهم ودروسهم.

ساخر 6 : كما نعرف بأن لك مؤلف واحد هو كتاب “من مذكرات امرأة كانت هناك ” وآخر على الطريق .. نرجو تسليط الضوء عليه وهل هو متوفر في الأسواق الكندية .. كما نود معرفة هواياتك الأخرى ؟

هنادي 6: كانت الكتابة هواية ولم أخطط يوماً لطباعة كتاب، كنت أنشر بعض النصوص الأدبية في صحيفة الخليج أثناء إقامتي في دبي ، لكن عندما قدمت لكندا قبل خمسة عشر عاماً بدأت بكتابة بعض الخواطر التي تحكي الشوق والحنين للوطن بالإضافة لموضوعات بسيطه تمس واقعنا كمهاجرين، ونشرت كهاوية للكتابة بعض هذه الخواطر في صحيفة البلاد في مدينة لندن ليطلب مني إرسال المزيد من هذه الكتابات فاستمرت كتابتي في الصحيفة الشهرية لمدة أربع سنوات، كانت زاوية ثابتة تحمل عنوان من مذكرات امرأة كانت هناك… وفي كل شهرهناك موضوع جديد، قمت في العام الماضي بطباعة الكتاب الأول الذي ضمّ مجموعة من هذه الكتابات الأدبية وصوراً لبعض أعمالي الفنية التي ترافق هذه النصوص، وأعمل على إتمام الكتاب الثاني الذي سيحمل عنوان من مذكرات امرأة كانت هناك (٢)، الكتاب تمت طباعته ونشره في فلسطين و يتوفر عدد من النسخ هنا في كندا يمكنني إيصال الكتاب للراغبين بإقتناءه في كندا وأمريكا.
بالإضافة إلى رسم اللوحات بألوان الأكريلك على قماش كانڤس فأنا أرسم على معظم أنواع الاسطح، كالرسم على الزجاج والأكواب والأخشاب وقماش المخمل وعمل بعض الأعمال الفنية الصغيرة والتي يحرص على إقتناءها العديد من الكنديين الذين يحبون إقتناء الأعمال الفنية أو تقديمها كهدايا في المناسبات وهذا ما يبقيني مشغولة بشكل أكبر، والمشي والتأمل هو الهواية التي تساعدني على شحن طاقتي وتجديدها باستمرار.

ساخر 7: المسرح “ابو الفنون” فكيف يستفيد من احد ابناءه الفن التشكيلي؟

هنادي 7: المسرح فعلاً أبو الفنون وقد يكون العمل الفني التشكيلي جزءا مهمًا من الكثيرمن الأعمال المسرحية، فهو قد يدعم ويعزز دور الديكور والفضاء المسرحي للعمل ويثري المشهد ليصل إلى المشاهد أكثر تميزًا وإبداعاً، وقد كان لي لمسة بسيطة في هذا الموضوع عندما قمت برسم لوحة جدارية بمقاس 3×6 متراً لمدرسة الأحد الإسلامية في مدينة لندن-أونتاريو لتكون خلفية لحفلة نهاية السنة الدراسية قبل سنوات، وقد إستمر إستخدامها لأكثر من عام في المناسبات وكانت الجدارية على قماش كانڤس ليسهل تخزينها وإعادة إستخدامها، وموضوعها مشهد طبيعي ضمّ البيت والمدرسة والمسجد وهي الأسس التي تقوم عليها نشأة وتربية الأولاد فالتربية تبدأ من المنزل ثم المدرسة والتربية الدينية والروحية تكمل شخصية وملامح أبناءنا.

ساخر8 ما رايك بالأنشطة الفنية والإعلامية العربية في كندا؟.

هنادي 8 : ليس من السهل أن نبرز أعمالنا في مجتمع متعدد الهويات والثقافات واللغات، ونحن نحتاج إلى العمل بكل ما لدينا من قوة لإثبات وإيصال إبداعاتنا وأصواتنا للآخر، وأنا مؤمنة بأن بناء البيت الداخلي وتعميق الصلات وتكثيف الجهود من خلال اللقاءات الاجتماعية والفنية وتسليط الضوء على مبدعينا من فنانين وكتاب ومثقفين في كافة المجالات هو القاعدة الأقوى للإنطلاق وإيصال ما لدينا من مواهب وثقافة للكل الكندي بكافة أطيافه وأشكاله وتنوعه، فنحن نملك الكثير ولدينا من الغنى ما قد يساهم في بناء مجتمعنا والإندماج فيه وإثراءه، وهنا أقدروأشكر دور الإعلام وأشد على أياديكم التي تعمل على لم ودعم وإظهار هذا التميز لنقوى بنا ونكبر وننطلق، وأدعو إلى أن تكون هناك مبادرات تعمل على لم شمل المبدعين في مجالات محدده لتتيح لهم اللقاء والعمل فيكون هناك ما يشبه تجمّعات ونوادي للأدب والفن لإيصال عمل المبدعين لأكبر عدد من أبناء الجالية العربية والكنديين من محبي متابعة الفن والثقافات.

ساخر 9: هل من رسالة توجهينها الى المبدعين والفنانين الشباب خاصة وان أولادك أمير وماريا لهم محاولات وحتى كتابات نشرناها لهم سابقا.

هنادي9: رسالتي الأولى أوجهها للأهل الذين اشجعهم على أن يتمسكوا ويحاولوا دعم وتعزيز أي موهبه ورعايتها بالكلمة المحفزة أولاً، وتوفير كل ما يلزم من مواد وأدوات لتطوير هذه الموهبة، ومتابعة تطور الموهبة لدى أطفالهم بالدروس والدورات الفردية أو الجماعية إن أمكن، واليوم أصبح العالم قرية صغيرة والأجهزة الذكية استطاعت توفير حصص تدريبة في العديد من المجالات بينما نجلس في منازلنا، فهناك دروس لتعليم الرسم بالخطوات من مستويات بسيطه للأطفال وحتى للهواة من الشباب ويمكنهم الحصول على المعرفة المتنوعة الغنية لتعدد المصادر، فهذا أستاذ لتعليم الرسم بالألوان المائية وذلك محترف باستخدام الألوان الزيتية أو الأكريلك ، وفي مجال الموسيقى هناك دروس فيديو متوفرة لتعليم الموسيقي وتتوفر مكتبات إلكترونية لمحبي القراءة وبذلك ما على الأهل سوى مساعدة الأطفال على التواصل ودعمهم ومتابعتهم وتعزيز تطورهم بالمكافأة والكلمة التي تمنحهم الطاقة للإستمرار واكتشاف ذاتهم وهذا لن يعود عليهم بفائدة وقتية وإنما تكون هذه الموهبة حاجزاً مانعاً يحمي أبناءنا من أن يكونوا فريسة للفراغ الذي قد يضرهم مستقبلاً أو يأخذهم إلى معاناة من أي نوع لا سمح الله
ابني أمير كان محباً للقراءة والكتابة، وذات يوم قال لي بأنه يريد أن يكتب رواية شجعته وقلت بأني سأقوم بعمل الرسوم للقصة كما قمت برسم وتصميم الغلاف وقمنا بطباعة الكتاب بجهد شخصي، كان وقتها يبلغ من العمر 12عاماً ، ووفرت له مدرسته الدعم النفسي والتشجيع من خلال ترتيب لقاءات مع الصحافة والإعلام والعمل على شراء وتوزيع كتابه على مستوى المدينة ليكون متاحاً للقراءة في مكتبات المدارس، أما ماريا فقد عززت عندها حب الرسم وحب إلقاء الشعر وذلك لتشعر بالثقة عند التحدث بالعربية وهي الآن تبلغ من العمر 11 عاماً وتجيد التحدث باللغة العربية وقراءتها.

ساخر 10: ورسالة أخيرة لقراء ساخر سبيل وكندا سبيل .

هنادي 10 :أتمنى أن يكون الحوار لطيفاً، خفيفاً مفيداً للقراء ، وأعتقد أن رسالتي للجميع ستكون متعلقة بالظروف التي نمر جميعاً بها، لننظر إلى الجانب الجميل، فنحن كعائلة في نفس البيت نجلس معاً أكثر قرباً فليكن القرب فرصة للعمل بشكل جماعي وفرصة لتقاسم المعرفة والخبرة والضحكة والمتعة، وفرصة للعمل وإنجاز أمور كانت عالقة كصيانة في المنزل أو رعاية الحديقة ، والرسالة الأهم للجميع إبقوا في البيت وكونوا بكل الخير. ( اذا لم تتسع الصفحة اكمل بالداخل)


الخاتمة: في نهاية هذه المقابلة نرجو ان يكون ما قدمناه لكم مفيداً وشيقاً . كل النقدير والاحترام للقارئ الكريم ، ونجدد الثناء وجزيل الشكر للقنانة والأديبة المثابرة هنادي بدر .

يمكنكم متابعة رسومات أخرى للفنانة هنادي على صفحتها على الفيسبوك .

https://www.facebook.com/Hanadi-Bader

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
إغلاق
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock