لقاء العدد مع السيد محمد فتيح- مدير فرع منظمة العفو الدولية- امنستي انترناشونال- في كندا .
***
المقدمة : لقاء هذا العدد في ساخر سبيل مع الأستاذ محمد فتيح الناشط الشامل والمثقف الإنساني الكندي من أصل عربي مصري ، فتيح ابن المجتمع العربي الكندي منذ سنوات طويلة والعارف بباطنه وغُرته، وهو المنتخب حديثاً لإدارة منظمة العفو الدولية- امنستي في كندا. ستتركز أسئلتنا في هذا العدد الذي يحمل لقاء 94، على دوره بهذه المنظمه وعلى نشاطه بين أبناء الجالية … إلى الأسئلة .
س1: أستاذ فتيح.. نرحب بك أجمل ترحيب ونتمنى أن نكون خفاف الظل معك في وقت الكورونا الصعب . .. ونحن مضطرون أن نبدأ من هنا حيث الظرف الطارئ والذي نرنو نهاية سريعة له : ماذا أنت فاعل مع هذا الوباء اللعين وما رأيك بما قامت به الحكومات الكندية للوقاية منه ومن أضراره ؟
ج1: طبعاً كوفيد-١٩ اثر سلبياً علي حركتي في منظمة العفو الدولية ورغم اننا نواصل لقائتنا افتراضياً عبر الانترنت الا اننا نفتقد التواصل الإنساني المباشر وايضاً غير قادرين علي تنظيم مسيرات لأننا ملتزمون بالمسافة الاجتماعية. الفيروس كان له اثر اجتماعي سلبي علي اسرتنا، فابنتي مثلاً تعيش وتعمل في نيويورك لذا لم نستطع زيارتها منذ بدأ الحظر وكذلك الوضع مع أصدقائنا. اما بالنسبة للحكومة الكندية فرغم ان هذا الفيروس جديد علي العالم كله الا ان الحكومة الفيدرالية وايضاً حكومات المقاطعات كان أدائها ممتاز وساعدها طبعاً وجود نظام صحي قوي ومجاني للجميع وفر العلاج لكل كندي بصرف النظر عن وضعه الطبقي او لونه او جنسه او ميوله الجنسية. اعداد الإصابات والوفيات القليلة خير شاهد علي نجاح الحكومة في السيطرة علي الفيروس لدرجة ان مقاطعة بريتش كولومبيا ليس لديها الآن أي إصابات.
ساخر 2: بالإضافة لما قلناه في المقدمة ، هل من نبذة شخصية عن حضرتكم ؟
ج:2 انا من مواليد القاهرة وحاصل علي بكالوريوس الهندسة الميكانيكية من جامعة عين شمس. خلال دراستي في الجامعة كنت امين اللجنة الثقافية ونائب رئيس اتحاد الكلية ونائب رئيس اللجنة الثقافية علي مستوي جامعة عين شمس. نشاطي السياسي بدأ في الجامعة وكنت من قيادات الحركة الطلابية التي ناضلت من اجل الديموقراطية والعدالة الاجتماعية وتم اعتقالي ٤ مرات من ١٩٧٢ آخرها اثناء انتفاضة الخبز ١٩٧٧ . هاجرت الي كندا عام ١٩٩٢ مع زوجتي واطفالي الاثنين ومنذ وصولي الي كندا وانا ناشط في كثير من الجمعيات مثل المجموعة الثقافية العربية الكندية ومنظمة العفو الدولية وهيومان رايتس واتش (Human Rights Watch) بالإضافة الي جمعية جون هوارد ((John Howard Society .
ساخر3 : لو تكرمت… أعطِ القارئ الكريم فكرة عن هذه المنظمة من حيث النشأة والأهداف والإنجازات والدور الانساني الذي تلعبه .
ج3 : منظمة العفو الدولية أنشأت عام ١٩٦١ في لندن للدفاع عن معتقلي الرأي مهما كان لونهم، دينهم، جنسهم او معتقداتهم السياسية بشرط عدم استخدام العنف وذلك طبقاً لإعلان ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الانسان عام ١٩٤٨ . المنظمة كان ليها دور كبير في الافراج عن معتقلين كثيرين وحصلت على جائزة نوبل للسلام عام ١٩٧٧. اهداف المنظمة توسعت لتشمل النضال ضد عقوبة الإعدام وحقوق الأقليات العرقية والدينية والجنسية. بداية تعاملي مع المنظمة كان عام ١٩٧٧ حين أرسلت ٣ محامين مشهورين من إنجلترا وفرنسا وبلجيكا للانضمام الي هيئة الدفاع عن قيادات انتفاضة الخبز وكان لهم تأثير جيد علي سير المحاكمة التي انتهت بالإفراج عن جميع المعتقلين وبدون أي أحكام إدانة، وهذا الحكم كان صفعة علي وجه نظام السادات الذي أراد توقيع عقوبات قاسية.
ساخر 4 : منذ فترة قريبة تم انتخابكم لإدارة منظمة العفو الدولية امنستي في كندا، والكثيرون اعتبروا أن يكون كندي من أصول عربية مديرا لهذه المنظمة في كندا قضية مهمة يفتخر بها .. ما رأيك ؟
ج4: طبعاً انا سعيد جداً بانتخابي لمجلس إدارة منظمة العفو الدولية علي المستوي القومي في كندا وهذه اول مرة ناشط كندي من اصل مصري او عربي يدخل مجلس الإدارة. وهذا انجاز للمجتمع العربي الكندي لان صوتنا غير مسموع في كندا، رغم ان الشرق الأوسط وشمال افريقيا هي أسوأ منطقة في سجلات حقوق الانسان. ومهمتي هي إيصال صوت معتقلي الرأي في منطقتنا المنكوبة بحكام ديكتاتوريين دمويين الي اعلي مستوي في المنظمة من اجل الضغط للإفراج عنهم. انتخابي هو بداية طريق طويل وسوف اسعي جاهداً لإشراك المنظمات العربية المهتمة بحقوق الانسان في –امنستي- حتي نحقق الأهداف التي انتخبت من اجلها.
ساخر5: أستاذ فتيح البعض يتداول عبارة تقول “المنظمات الدولية غرف للمخابرات الغربية ”
هل ينطبق ذلك على ” امنستي ” السؤال بطريقة مباشرة .. من أين يأتي تمويل هذه المنظمة ؟
ج5: هذه الاتهامات التي ترددها أبواق إعلام السلطة في المنطقة لتشويه سمعة منظمات حقوق الإنسان بشكل عام ومنظمة العفو الدولية بشكل خاص باعتبارها أكبر مؤسسة رائدة ومؤثرة في مجال حماية حقوق الإنسان. وللعلم المنظمة لا تقبل أي دعم مادي من حكومات او مؤسسات حكومية وكل دخلها من اشتراكات الأعضاء وتبرعات الأشخاص المؤمنين بحقوق الإنسان. ملفات امنستي الموثقة عن انتهاكات حقوق الانسان تقض مضجع المستبدين لذلك يسعون لاغتيالها المعنوي بكل الطرق.
س6: عاشت مدن الولايات المتحدة مؤخراً احتجاجات هزت العالم، لكنها لم تحرك المجتمعات العربية إلا من باب نشر بعض المقالات وأيضاً من خلال التشفي والفُرجة… من أين تولدت هذه ” الأناماليه ” .
ج6: انظمة الشرق الأوسط فشلت في توفير حياة حرة وكريمة لشعوبها بل وفشلت ايضاً في الحفاظ علي وحدة اوطانها. الربيع العربي كان محاولة لتغيير العقد الاجتماعي الذي ارتضته الشعوب من منتصف القرن الماضي “الخبز مقابل الحرية” لان غياب الحريات أدى الي سلب رغيف الخبز من المواطن والتراجع التام عن كل المنجزات في الصحة والتعليم وانتشار الفساد ونهب ثروات الشعوب من قبل العصابات الحاكمة. تلك الأنظمة لديها استعداد تقتل نصف شعوبها في سبيل بقائها في سدة الحكم لانهم يعلمون تماماً انهم سيخسرون كل شيء لو فقدوا من مناصبهم. الكثيرون في الشرق الأوسط متعاطفين مع حركة ” Black Lives Matter” ولكنهم غير قادرين علي التظاهر تضامناً مع الحركة لان العصابات الحاكمة لا تسمح باي تحرك جماهيري. اعتقادي ان المشكلة ليست في ال “أنماليه” ولكن في انعدام الحريات وعدم القدرة علي التحرك لمساندة أي قضية حتى لو محلية في ظل القمع البوليسي غير مسبوق في شرقنا التعيس.
س 7 : صادف قتل المواطن الأمريكي جورج فلويد على يد شرطة مدينته ، قيام الشرطة الاسرائيلية بقتل الشاب الفلسطيني إياد الحلاق وهو من ذوي الإحتياجات الخاصة … في المدن الأمريكية وغيرها انتفض العالم رفضاً للعنصرية البغيضة، أما في قضية مقتل الشاب المعاق العربي الفلسطيني فلم تبكي عليه سوى أمه ورثته بعض الكلمات هنا وهناك وأيضا، وحتى نتوخى الدقة فقد نعته الكثير من ” البوستات ” على وسائل التواصل الاجتماعي…. إلى هذا الحد أصبح دمنا رخيصاً؟؟
ج7: من المحزن ان يتم قتل انسان فلسطيني من ذوي الاحتياجات الخاصة بدم بارد ولا يحرك العرب والمسلمين ساكناً للدفاع عنه، بينما يثور الشعب الامريكي لقتل مواطن واحد اسمه جورج فلويد . المظاهرات التي اندلعت في كل الولايات الأمريكية شارك فيها الأبيض والاسود علي السواء أجبرت المدعي العام علي محاكمة رجال البوليس الأربعة بتهمة القتل العمد والاشتراك في القتل وقدموا الي المحاكمة. اما في شرقنا التعيس فيُقتل المواطنين او يتم تعذيبهم يومياً بدون خوف من العقاب لان منهج السلطات الاستبدادية هو اهانة كرامة المواطن وقمعه واذلاله لنشر الخوف والرعب في النفوس فلا يستطيع أي مواطن ان يرفع رأسه للمطالبة بالحرية او العدالة الاجتماعية. والامثلة كثيرة علي خروج المجرمين من السجون او عدم مثولهم امام المحاكمة بعد قتل مواطنين أبرياء.
ساخر 8 : للأسف.. يمكن ملاحظة العنصرية بشكل فاقع في مجتمعاتنا العربية وذلك في تفاصيل مسيرة حياتهم اليومية من دون الحاجة الخوض بالتفاصيل، وبعضها الآخر مطمور ولكنه متجذر بوعيهم ، ويقفز إلى السطح في المواقف الصعبة والأزمات…. هذا الثراء في العنصرية العربية من أين ينهل مصادره وكيف يمكن وقفه ؟
ج8 : العنصرية بشكل عام متفشية في المجتمعات الإسلامية العربية التي كانت آخر دول العالم في تحريم العبودية. علي سبيل المثال السعودية وموريتانيا حرموا العبودية فقط في ستينات وثمانينات القرن الماضي ومازال السعوديين وبدو الخليج يطلقون لفظ “عبد” علي أي انسان أسود. ومنظمات حقوق الانسان كل يوم تدين المعاملة الا انسانية التي يعامل بها اللبنانيون الشغالات (خادمات البيوت) القادمات من اثيوبيا والصومال والسودان من ضرب وتعذيب واهانة جسدية ونفسية وايضاً ادانة سوء المعاملة والاغتصاب التي تتعرض له الشغالات الفليبينيات في بعض دول الخليج .
أنظمة الاستبداد التي تحكم العالم العربي والإسلامي تحافظ علي وجودها بإثارة النعرات الطائفية والعنصرية كمتنفس لغضب الشعب لانتهاك حقوقه وسرقة ثرواته ولن تحل مشكلة العنصرية الا بالنضال ضد هذه الأنظمة وإقامة مجتمعات ديموقراطية تعامل شعوبها كمواطنين متساويين في الحقوق والواجبات مهما كان دينهم او لون بشرتهم او موقعهم الطبقي او اختياراتهم الجنسية او السياسية.
ساخر 9 : بموضوع آخر وأخير:
باعتبارك مؤسس لبعض الفعاليات والأنشطة العربية الكندية ومتابع جيد لها.. أرجو أن تقيّم معنا وبِعُجالة وضع االمجتمع العربي الكندي ومدى تأثيره وفعاليته في المجتمع الكندي بشكل عام… وأخيراً ماذا تقول للشباب العربي الكندي وقراء ساخر سبيل .
ج9: المجتمع العربي في كندا هو انعكاس للتشرذم والصراعات الدينية والعرقية والسياسية التي رسختها أنظمة الاستبداد التي تجثم علي انفاس شعوب المنطقة بقوة القمع البوليسي والعسكري تارة وبقوة المؤسسات الدينية التي تخدم وتبرر لهذه الأنظمة تارة اخرى. الجالية اللبنانية مثلاً موزعة بين الشيعة والسنة والدروز والمارونيين والحزب القومي والجالية المصرية منقسمة الي مسلمين واقباط ، والفلسطينيون الكنديون من أقدم التجمعات هنا وأكثرها قوة وإمكانيات ولكن للأسف هم متفرقون شيعاً وأحزابا.. وهكذا. المحزن ان كل جمعية تخدم فقط مصالح فئة معينة ولا اتصال بينها وبين الجمعيات الأخرى. الاستثناء الوحيد حدث اثناء وبعد الربيع العربي متمثلاً في جمعيات عابرة للاختلافات الدينية والعرقية مثل الجمعية الثقافية العربية الكندية التي ساهمت في انتعاش الحركة الثقافية ومجلس ادارتها كان من مصر والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين. ومنذ سنتين تقريبا ظهرت ايضاً فرقة تياترو العرب الكندية والتي تضم الشباب والصبايا من معظم الأقطار العربية بمذاهبها المختلفة جمعهم حب المسرح أبو الفنون وبدأوا بالعمل . كما للجالية العربية ممثلين في البرلمان الكندي وبرلمان مقاطعة اونتاريو ولكن تأثير الجالية ضعيف لأنها ممزقة في صراعات داخلية ولأن قطاع كبير لا يهتم بالشأن الكندي وما زال يجتر أحلام الماضي التي ذهبت. الحقيقة ان ترشحي وفوزي في مجلس إدارة منظمة العفو الدولية علي مستوي كندا اثبت ان الجالية ممكن تلتف حول اهداف محددة مثل “اطلاق سراح المعتقلين السياسيين” وتكون مؤثرة. انا متفائل . ومن هنا أنصح الشباب العربي الكندي الإنخراط أكثر بتفاصيل الحياة الكندية بكل مجالاتها الإقتصادية والسياسية والثقافية وغير ذلك، فنحن لسنا جالية عابرة ستعود للوطن الأم بعد استلام جواز السفر الكندي، بل نحن جزء مهم في هذا المجتمع المتعدد الثقافات والذي يجب علينا احترامه وتقديم كل ما نستطيع لخدمته وتطويره. كما ادعوهم لتشكيل تجمعات تقافية واجتماعية ورياضية تبرز هويتنا وتراثنا أمام الآخرين بهذا المجتمع الجميل . أخيراُ تحية لإدارة ساخر سبيل والقراء الكرام ويسرني دعوتهم لتنويع مصادر قراءاتهم وبأكثر من لغة ما أمكن وعدم الاقتصارعلى وسائط التواصل الاجتماعي في تلقي الخبر أو المعلومة . أكرر شكري وتقديري لكم .
***
الخاتمة : باسمكم واسم أسرة ساخر سبيل نتقدم بالشكر الجزيل والإحترام الكبير للأستاذ الأصيل محمد فتيح لفتحه النوافذ لنطل من خلالها و سوية على شخصية ناشطة وفاعلة في المحيط العربي الكندي ودليلنا ايضاً لمعرفة انشطة منظمة انسانية غاية في الاهمية وخاصة في أيامنا هذه حيث يكثر البطش ويقل الحياء… الف تحية.
***