نحو تحول اعلامنا لمخاطبة الآخر
بقلم : د. سعد سعدي- ميسياغا اونتاريو
***
يعد الاعلام هذه الايام علماً له قواعده و اصوله ، و الخبرة و الممارسة العملية لم تعد كافية للتقدم في المسيرة الاعلامية من صحافة مكتوبة و مرئية و مسموعة و اعلان و دعاية ، و لهذا انشأت معظم دول العالم معاهداً و مراكز جامعية للتخصص لدراسة علوم الاعلام و فنونه .
و من اهم العلوم الاعلامية هو فن التأثير على الرأي العام الذي يقوم على دراسة التأثير المباشر و الغير مباشر للدعاية السياسية و الاعلانية او الاعلامية على الفرد و المجتمع و كيف يتفاعل معها و يتأثر و يؤثر عليها .أن التحديات التي تواجهها الجمعيات و المراكز العربية الكندية راهناً و هي تخطو خطواتها و بدرجات متفاوتة في مسيرتها الحالية ، تستدعي تفعيل دور الاعلام لينهض بدوره الريادي في خدمة الجالية و لقد اهتم الكثير من دول العالم و من ضمنها مراكز الدراسات السياسية و الاستراتيجية التابعة لها بوضع عناصر استراتيجية لتفعيل دور الاعلام من اجل بناء واقع جديد لمجتمعاتها . احد هذه العناصر مشكلات التواصل الثقافي مع الغرب و من ضمن هذه المشكلات العلاقة بين الاسلام و الغرب و مشكلة الارهاب ، ثم عملية التمييز بين المقاومة المشروعة للاحتلال الاجنبي وبين الارهاب . وقد حاول و يحاول الاعلام المعادي طمس تأثير الاعلام العربي الكندي ، و بذلك فلا بد ان يتحرك الاعلاميون العرب لسلوك كل السبل المتاحة لتعزيز قدراتهم في توصيل الرسالة الاعلامية للرأي العام الكندي و التأثير فيه بلغة انكليزية يفهمها المجتمع الكندي المكون من اثنيات و اعراق مختلفة. والحال هو أن وسائل إعلامنا في كندا على ضعف حالها، وانغلاقها على نفسها، وعجزها عن الانطلاق قد أصبح بعضها مجالا للمزايدات وحرب المواقف والتضليل ، حتى بات إعلامنا كمن يكلم نفسه كونه ينشرو يبث باللغة العربية و لا استثنى وسائل التواصل الاجتماعي كونه جزء لا يتجزأ من الاعلام .
ما العمل إذن ، كي يواجه العرب الإعلام الكندي مواجهة عقلانية تمنح دفوعهم مصداقية القبول، بعيدا عن انفعالات الكبرياء. اعتقد إن سبيلنا إلى ذلك أمران: تحصين الجبهة الداخلية من خلال استكمال النقص والإصلاح، والحوار المتواصل الهادئ مع الإعلام الكندي على اختلاف مشاربه .وفق ما ذكرنا اعلاه فأن الإعلام ليس مجرد عملية إخبار ونشر معلومات ولكنه يشمل الدعاية والإعلان سواء في المجال التجاري التسويقي أو في المجال الفكري الأيدلوجي و السياسي أو فيما يتعلق بالسلوكيات ومضامينها الأخلاقية، وتحقيق الأهداف المختلفة للمجتمع في المجال المعرفي والاجتماعي والثقافي والتوعية والتوجيه والترفيه والتسلية والتثقيف، فيوشك الإعلام أن يكون قناة الاتصال الأول تأثيراً على المجتمع .
وفق هذا المفهوم ، فأن وسائل الإعلام تمارس دورًا جوهريًا في إثارة اهتمام الجمهور بالقضايا والمشكلات المطروحة ، حيث تعد وسائل الإعلام مصدرًا رئيسًيا يلجأ إليه الجمهور في الحصول على معلوماته عن كافة القضايا السياسية والثقافية والاجتماعية بسبب فاعليته الاجتماعية وانتشاره الواسع وقدرته على الوصول ومخاطبة القسم الأعظم من المجتمع . كما يمثل الإعلام عنصرًا مؤثرًا في حياة المجتمعات باعتباره الناشر، والمروج الأساسي للفكر والثقافة، ويسهم بفاعلية في عملية تشكيل الوعي الاجتماعي للأفراد . استناداً لما تقدم ارى ان الجمعيات العربية الكندية بشكل عام تفتقر الى مؤسسة تأخذ هذه المفاهيم بعين الاعتبار و تهدف الى تأهيل اعلاميين من مختلف ابناء الجالية و خصوصاً طلبة الجامعات و من يتقن اللغة الانكليزية لتمكينهم من مخاطبة المجتمع الكندي بالطرق و الاساليب الاقرب الى تفكيره و خصوصياته كي
يتمكن من تحريك هذا المجتمع بأتجاه قضاينا المحقة التي تستاهل منا هذا العناء . من هنا الجدوى المعنوية الهادفة لانشاء هذا المركز و تفعيله غلى امتداد المدن الكندية الاساسية ، و اذ ارى ان من واجبنا الوطني و القومي جميعاً ان نسعى بكل عزم و اصرار على حث الجمعيات و المراكز العربية كون الاعلام هو من المفترض ان يكون في صلب عملها و كذلك الاعلاميين العرب الى تبني هكذا مشروع واضعين انفسنا و خبراتنا في هذا المجال في تصرف اي فريق يبادر لانجاحه. إنّ إنشاء اي مؤسسة إعلامية يتطلب دراية معمقة في المجالات الإدارية، والإعلامية، فقوة المؤسسة الإعلامية لا تقتصر على نظامها الإداري، بل تتعداه إلى إتقان فن صياغة الرسالة الإعلامية وتصميم المحتوى، وكذلك تتحمل المؤسسات الإعلامية قدر مهم من المسؤولية الأخلاقية، والأمانة المهنية
إنّ المؤسسات الإعلامية الرائدة عادةً ما تحظى بمتابعة شرائح واسعة من المجتمع، ومن هنا يبرز الاهتمام بالأدوار التي تقوم بها هذه المؤسسات، ومنها أنّها تقدّم نفسها كمصدر موثوق لتلقي المعلومة والخبر، وذلك يتطلب معايير احترافية في العمل الإداري والإعلامي داخل المؤسسة الإعلامية، والتزاماً بقيم الموضوعية، وعدم التحيز أو التضليل ونشر الإشاعات دون التوثيق والتدقيق .
و بهذا اوصي بالعمل على مشاركة خبراء في مجال الإعلام والتربية وعلم النفس والاجتماع والقانون والتاريخ حيث تتكامل جهودهم ورؤاهم في إعداد مواد إعلامية إيجابية يحقق نشرها وعرضها بالوسائل الإعلامية المختلفة آثارا إيجابية على مستوى الفرد والمجتمع … ختاماً ادعو الجميع لاستخلاص الدروس والعبر من تجارب مرحلة ليست بالوردية في جاليتنا ، فنسعى الى مراجعة تجاربنا الإعلامية وحتى جمعياتنا جميعاً، على اساس ان نطوّر ما فيها من إيجابيات ، ونتحرر مما علق بها من سلبيات، ونعلي شأن التلاقي على شر التناحر، ودواء الوحدة على داء التفرقة، ونور التضامن على ظلام الاحتراب، وعقلانية الحوار على همجية الاقصاء ، والاستماع الى نبض الناس وأوجاعها بدلاً من الانسياق الى جشع المصالح التي مهما بدت مغرية فهي زائلة وعابرة ومدمرة !!!