كندا سبيل – تورونتو
احتار الناس في فهم وتفسير التدخين..هل هو مجرد عادة أم إدمان ؟.. غير المدخنين دائماً يتهمون المدخنين بضعف الإرادة، ويستسهلون عليهم ويطالبونهم بالتوقف عن التدخين فوراً، وهم بالطبع قانعون بأن المدخن يمكن أن يتوقف ويقلع عن التدخين بمجرد أن يطلب منه ذلك بيسر وسهولة ! المدخنون قد يمارسون نوعاً من الإنكار والتبرير في البداية فيما يتعلق بأسباب ومبررات وأضرار التدخين، لكنهم قانعون في دواخلهم بأن مآلهم الصحي يتجه إلى التدهور والسوء، ورغم ذلك يعجزون عن اتخاذ قرار التوقف. والأمر نفسه نجده عند مدمني المخدرات. فما هي العلاقة بين التدخين والإدمان؟ أم أن التدخين نوع شائع من الإدمان؟
الأطفال والصبية والمراهقون يلجؤون إلى التدخين عادة نتيجة تصورات خاطئة بأن هذه العادة تكسب صاحبها أو تضفي عليه نوعاً من الاستقلالية والإحساس بالبلوغ أو الرجولة، ويتصور بتقليده للكبار أنه قادر على الاعتماد على نفسه، أو في إحساسه بأن هذا التصرف يجعل له «برستيج» ويمنحه الرقي الاجتماعي كما يتصوره، وأنه يبدو أكثر جاذبية عند حمله السيجارة. وعادة ما يبدأ تدخين الصغار بصورة بريئة لا تعي العواقب أو النتائج أو ما تؤول عليه حالته في المستقبل، وغالباً ما تكون رغبته سعياً وراء حب الاستطلاع أو “تذوق التجربة”، وسرعان ما يتحول إلى عادة ثم إدمان يلازمه مدى الحياة، ويفشل في التوقف عن هذه العادة.
يقول الدكتور مايكل راسل أستاذ الطب النفسي معهد مودزلي للطب النفسي في إنجلترا: “إن تدخين السجائر في أغلب الأمر من أكثر أنواع السلوك الإدماني التي عرفها الإنسان”. لذا فإن هيئة الصحة العالمية أدرجت “التبغ” ضمن المواد التي تسبب الإدمان، ولو تأملنا التدخين لوجدنا أن محكات تشخيص الإدمان تنطبق عليه كلها. فصفة الإدمان الأولى الشعور بالرغبة الملحة عند عدم توافر المادة، وهذا ما يشعر به المدخن المفرط عند امتناعه عن السجائر أو عند عدم توافرها، والمواد الإدمانية تسبب ما يعرف ب”التحمل”، فالمدمن يبدأ تعاطيه أي نوع من المخدرات بجرعة صغيرة، ثم يضطر إلى أن يزيدها تدريجياً للحصول على نفس التأثير والمفعول، وهذا ما يحدث أيضاً في التدخين.كما أن دراسات عديدة أكدت اقتران التدخين بإدمان مواد أخرى، أو أن التدخين يجعل المدخن المراهق عرضة لإقران إدمانه مواد أخرى كالمارجوانا أو الحشيش أو الهيروين وغيرها من مخدرات.كما أن المدمن عند الامتناع يشعر بأعراض نفسية وجسمية مزعجة وكل مدخن حاول الامتناع مر بهذه التجربة، والمدمن لا يستطيع السيطرة على كمية المادة التي يدمنها وهذه الظاهرة أيضاً ملحوظة في حالة المدخنين المنتظمين والمفرطين. فالتدخين إذن إدمان، لذلك ينبغي النظر إليه بكل جدية، ومواجهته كما نواجه أنواع الإدمان الأخرى.”
الرغبة القاهرة
ويضيف راسل:” إن الرغبة في التدخين رغبة قاهرة، ومن هنا نستنتج أن التبغ مثل القهوة والخمر ترضي رغبات فعلية عند الكثير من الناس، فلذة التدخين قد تنتج من الهدوء الذي تسببه عملية وضع سيجارة أو غليون في الفم ومن الطقوس التي يمارسها المدخن مثل اختيار نوع الدخان وإشعال السيجارة ورؤية وشم الدخان نفسه، لكن مادة “النيكوتين” هي السبب الرئيسي في الإقبال على التدخين. فأعراض الإقلاع”الجسمية” المزعجة تزول بمجرد حقن الشخص بالنيكوتين. ويحدث نفس الشيء لو قام المدخن بمضغ أوراق التبغ واستنشق السعوط، ومما يثبت أن الإنسان يتوق إلى تعاطي النيكوتين أو مادة مشابهة له ولا يتوق إلى التبغ في حد ذاته.
وتشير التجارب والأبحاث الطبية إلى أن تناول النيكوتين بجرعات صغيرة مثلما يفعل الطالب أو الكاتب الذي يدخن بهدوء ينبه المخ، خاصة إذا كانت الظروف مملة كالعمل في مكان هادىء جداً أو إذا كان الوقت متأخراً وكان الشخص يشعر بالنعاس. أما إذا دخن الإنسان بسرعة أو استنشق الدخان بعمق كما يحدث في المواقف الموترة للأعصاب مثل دخول الامتحانات أو الإقدام على مقابلة مهمة فيهدئ النيكوتين المخ. والسيجارة وسيلة دقيقة جداً للتحكم في جرعة النيكوتين التي يحتاجها الشخص الذي يستطيع عن طريق زيادة أو تقليل عمق الاستنشاق أو الإسراع أو الإبطاء للحصول على الجرعة التي يريدها بالضبط.
ولا يحدث ذلك في حالة مدخن الغليون، ولذلك لا يقبل عادة الشخص المتوتر والذي يبحث عن التهدئة على تدخينه لأنه يشبع الشخص الهادئ والبارد الذي يحتاج إلى قدر بسيط من تنبيه المخ بواسطة جرعات قليلة من النيكوتين الصادر ومن تبغ يحترق ببطء في وعاء غليونه. وقد وجد أحد العلماء أن النيكوتين يزيد إفراز قشرة غدة فوق الكلية بنسبة 50 % واستنتج من ذلك أن التدخين في حالة التوتر يزيد من إفراز هرمون الغدة ويساعد الإنسان على التكيف مع الظروف الموترة إلا أن التجارب اللاحقة لم تثبت صحة الملاحظة.فالنيكوتين والرغبة الملحة في تعاطيه قد يفسر ان جزئياً فقط ظاهرة التدخين ولكنه ليس بالتأكيد التفسير الوحيد.والتدخين شأنه في ذلك شأن العادات الإدمانية الأخرى، يعود لأسباب نفسية واجتماعية خاصة في البداية”.
توصيف وتفسير
يَوصِف الدكتور عادل الدمرداش بروفيسور الطب النفسي بجامعة القاهرة إدمان التدخين بتقسيمه إلى قسمين أو نوعين رئيسيين: الأول، وهو التدخين “الفارماكولوجي”، وهو غير مرتبط بمستوى النيكوتين في الدم، أما النوع الثاني، فهو”غير الفارماكولوجي” المرتبط بمستوى النيكوتين في الدم. والتدخين الفارماكولوجي، يشمل الفئات التالية: التدخين النفسي الاجتماعي، الذي يعتبر التدخين رمزاً للمركز الاجتماعي واحترام الذات، والتدخين النفسي الحركي، حيث تلعب فيه طقوس التدخين دوراً مهماً في إرضاء المدخن، ثم التدخين الانغماسي أو الإشباعي، وهو أكثر أنماط التدخين انتشاراً وهدف المدخن في هذه الحالة الحصول على أكثر قدر من اللذة أو لتكييف لذة تصاحب موقف أو تجربة يمر بها، وتتباين من مدخن لآخر. أما التدخين التسكيني، والغرض منه تهدئة التوتر العصبي أو تخفيفه. والتدخين المنبه، ويهدف المدخن منه تنبيه جهازه العصبي لمساعدته على التفكير والتركيز في المواقف المجهدة أو ليساعده على المثابرة على الأعمال المملة. ثم التدخين الإدماني، ويدخن الشخص الذي يصنف ضمن هذا النمط حتى يتجنب آثار الامتناع عن التدخين المزعجة والتي تحدث عند هبوط نسبة النيكوتين في الدم دون تركيز معين اعتاد عليه المدخن وتبدأ هذه الأعراض بعد مضي 30 دقيقة من آخر سيجارة دخنها. وأخيراً التدخين اللاإرادي، وفيه يشعل المدخن السيجارة تلو الأخرى دون أن يشعر بما يفعل ولا ينتبه لما يفعل إلا عند عدم توافر السجائر”.
ويشير الدكتور الدمرداش إلى أن العلماء والباحثون اختلفوا في تفسير التدخين، فهناك مدرسة التحليل النفسي التي تفسر التدخين بأنه علامة تدل على عدم نضوج الشخصية، لأن طاقة المدخن الغريزية ملتصقة بمنطقة الفم كما يحدث في الطفل الرضيع. فالمدخن محتاج باستمرار إلى وضع شيء في فمه لإشباع الرغبات اللذية الكافية فيه، والتدخين من هذه الوسائل. وآخرون يرون التدخين بأنه نوع من الأشراط فممارسة التدخين في البداية تجلب للممارس الثناء من رفاقه وتقبلهم إياه والشعور بالرجولة. ويعتبر ذلك كله دعماً أو جزاء يتحمل في سبيله المشاعر المزعجة التي يحس بها من يدخن لأول مرة مثل الدوخة والغثيان وسرعة دقات القلب ويستمر في التدخين. ومع مضي الوقت وتمكن النيكوتين من الجسم تصبح حركات التدخين والشعور بالاسترخاء والتخلص من التوتر الذي يصاحب أو يلي التدخين دعماً يكثف العادة. ويرتبط بالدعم بعد ذلك مؤثرات مختلفة إذا وجدت يشعر المدخن بالرغبة في إشعال السيجارة، كرؤية علب السجائر والإعلانات ورؤية المدخنين الآخرين والطعام وامتلاء المعدة وشرب القهوة… إلخ. وفي مرحلة لاحقة يدعم التدخين الشعور بالارتياح من الآثار النفسية والجسمية المزعجة التي تحدث بعد 30 دقيقة من الامتناع عن آخر سيجارة في حالة المدخن المفرط التي يشعر بالراحة منها فور عودته للتدخين. وعلل فريق آخر من العلماء التدخين بأنه نتيجة عدم ثبات جهاز المدخن الذاتي وميله للعصابية. ووجد بعضهم أن شخصية مدخن السجائر انبساطية واجتماعية بينما يميل مدخن الغليون إلى الانطوائية، ولم يثبت حتى الآن وجود علاقة بين التدخين والاستعداد للإصابة بالأمراض النفسية”.
تأثير البيئة
تشير كثير من الدراسات أن البيئة تلعب دوراً أساسياً في تعلم التدخين في سن مبكرة. فبعض الأطفال يبدأ بالتدخين من سن 5 سنوات، واتضح أن 35 % من البالغين الذين يدخنون بانتظام تعلموا التدخين من سن 9 سنوات، وظهر أيضاً أن 80 % من الأطفال الذين يدخنون بانتظام يستمرون في التدخين في كبرهم. وينتشر التدخين بين الأطفال المنتمين إلى الطبقات الاجتماعية المتدنية أكثر من رفاقهم الذين ينتمون إلى طبقات اجتماعية أعلى.ومن العوامل البيئية التي تؤدي إلى تعلم التدخين تدخين الوالدين الذي يدفعهم إلى التقليد ومصاحبة الرفاق المدخنين التي تشجع الحدث على مجاراتهم رغبة منه في التضامن معهم والشعور بالانتماء إلى جماعتهم، وقد لوحظ انخفاض التدخين بين طلاب المدارس التي لا يدخن نظارها ومدرسوها، ومن العوامل الأخرى دخول الشاب الجامعة أو المعهد العالي ورغبته في الظهور بمظهر البالغين والربط بين النضوج بالتدخين وتأثير عادات الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الطفل أو الحدث.
ويرى الباحثون أن توافر عوامل أربعة يرفع نسبة التدخين بين النشء إلى 70 % وهذه العوامل هي: عدد الأقران المدخنين وتساهل الوالدين وعدم الاكتراث أو الخوف من الإصابة بسرطان الرئة وأخيراً الرغبة في الظهور بمظهر البالغين.أما دوافع التدخين التي يذكرها المدخنون من حيث الترتيب هي: العادة ولذة التدخين والعصبية والتوتر والملل، ثم عوامل أخرى مثل الترويح عن النفس والتهدئة والرغبة في الإثارة وزيادة التركيز والقدرة على أداء عمل.
الإقلاع عن التدخين
يشعر 90 % من المدخنين المنتظمين والمفرطين بأعراض نفسية وجسمية عند الإقلاع فجأة عن التدخين، والسبب في ذلك انخفاض تركيز النيكوتين في الدم، والسيجارة وسيلة فعالة جداً لتنظيم جرعة النيكوتين التي يحتاج إليها المدخن، فهو يتحكم في الجرعة بسرعة التدخين أو العكس والاستنشاق العميق. فالمدخن الذي يستنشق 7 – 10 مرات على فترات أثناء تدخينه سيجارة يحصل على 40 مج من النيكوتين وهي جرعة سامة، ولكن التحكم التدريجي في تركيزها يخفف من آثارها المميتة بالإضافة إلى تعود جسم المدخن على النيكوتين. وعند الاستنشاق يصل 25 % من محتوى الدخان من النيكوتين إلى المخ في خلال 6 ثوان أي ضعف المدة التي تستغرقها جرعة الهيروين التي يحقن بها المدن نفسه في الوريد حتى تصل إلى المخ. ومن يدخن 20 سيجارة يومياً يتناول 50.000 إلى 60.000 جرعة نيكوتين في السنة الواحدة وهي نسبة عالية جداً لا توازيها أي مادة كيميائية أخرى يتعاطاها الإنسان.
ومدخن السجائر يحتاج إلى النيكوتين بسرعة ليخفف التوتر ولذلك يستنشق الدخان ولهذا السبب لا يستطيع مدخن السجائر استبدال الغليون أو السيجارة بها، وإن فعل ذلك استنشق الدخان مثلما يفعل عند تدخينه السجائر.
ويشعر المدخن بعد الإقلاع بساعات قليلة باضطراب النوم ويتغير تخطيط مخه الكهربائي ويتأرجح بين الخمول والكسل وعدم الاستقرار والعصبية وسرعة الإثارة، ويضعف تركيزه وتتقلب انفعالاته وتضطرب وظائف المعدة والأمعاء تتغير سرعة دقات القلب ويشعر بالصداع والبرودة والرغبة الملحة في العودة للتدخين. وتستمر هذه الأعراض عادة لمدة أسبوع تزول أثناءه بالتدريج. ومن مصاحبات الإقلاع عن التدخين الشعور بالجوع والإفراط في تناول الطعام الذي قد يؤدي إلى زيادة وزن المدخن المقلع، والسبب في هذه الظاهرة غير معروف حتى الآن.
نجاح علاج المدخنين محدود ولا تزيد نسبة النجاح على 30 %، وإن كان عدد المدخنين الذين وجدوا أن الإقلاع صعب جداً 14 % فقط، وبالإضافة لذلك نجد أن نسبة الانتكاس بعد الإقلاع مرتفعة أيضاً. وإقلاع الشخص من عدمه يتوقف على عوامل مختلفة، من أهمها أخطار التدخين الصحية بصورة عامة وأخطاره على الشخص نفسه ونظرة الشخص إلى التدخين.
الوقاية والعلاج
يلخص الدكتور الدمرداش طرق الوقاية والعلاج في:
1- عدم تشجيع الأطفال على التدخين وتشجيع المدخنين على الإقلاع.
2- تقليل أخطار التدخين لمن يستمرون في ممارسته. والتوعية من الوسائل المهمة في الوقاية خاصة توعية النشء والأحداث والطلاب حتى لا يجربوا التدخين أصلاً. وذلك بتأكيد بطلان صحة الدعوة التي تربط بين التدخين والنضوج أو العصرية في المسلك، مع إبراز إيجابيات الحياة دون تدخين أكثر من التركيز على التخويف من مضاعفاته.
ومن المهم أيضاً توعية أسر الطلاب والمهنيين الذين يحتكون بالناس كالأطباء والمربين والممرضين والصيادلة. وتوعية الجمهور بصفة عامة عن طريق وسائل الإعلام بصورة غير مباشرة وشائقة في آن واحد.
ومن وسائل الوقاية أيضاً منع التدخين في المحال العامة أو المحال التجارية وقاعات الاجتماعات والوزارات وتخصيص أماكن للمدخنين في المطاعم ووسائل المواصلات والأماكن العامة.
.. وتشمل وسائل العلاج:
1- الإقلاع الفجائي والنهائي وتحمل أعراض الامتناع.
2- التقليل التدريجي: يستطيع عدد قليل من الناس تقليل عدد السجائر تدريجياً. فيقللون الاستهلاك بإنقاص سيجارة واحدة واثنتين يومياً إلى أن ينخفض الاستهلاك الكلي إلى 3 سجائر.
3- البدائل: يستعين بعض الناس بالعلك “اللبان” والحلوى والمكسرات بدلاً من السجائر.
4- المهدئات: قد يستخدم الطبيب المهدئات البسطة كالفاليوم والليبريوم بجرعات صغيرة ولمدة محدودة لمساعدة المدخن المقلع في البداية على التغلب على آثار الامتناع المزعجة.
5- تمارين التنفس والاسترخاء العضلي العميق والتأمل التجاوزي واليوجا وتدريب الذات.
6- التنويم المغناطيسي.
7- العلاج النفسي الجماعي.
8- تغيير صنف السجائر بالتدريج: ويتم ذلك بالانتقال من صنف يحتوي على نسبة عالية من النيكوتين والقطران إلى نوع يحتوي على نسبة أقل من هذه المواد.
9- العلاج النفسي السلوكي.
في دراسة حديثة لمنظمة الصحة العالمية
سيجارة واحدة تكفي لإدمان الطفل
في مسح حول العالم أجرته منظمة الصحة العالمية على اليافعين عام «2008م» ممن هم بين الثالثة عشرة والخامسة عشرة من العمر، تبين أن نحو 55 % إنتبهوا إلى السيجائر من خلال الإعلانات التجارية، وهناك 20 % منهم ممن ربطوا التدخين بماركة تجارية معينة من السيجائر.
وفي دراسة جديدة أجراها باحثون أميركيون فإن الأطفال يدمنون على التدخين بسرعة كبيرة، وفي بعض الحالات يكفي تدخين سيجارة واحدة ليدمن الطفل. وتوصلت الدراسة إلى أن المراهقين يكتسبون عادة التدخين من الوالدين والمعلمين والزملاء المدخنين وأن المراهقين أكثر عرضة للإدمان بسبب النيكوتين لأن أدمغتهم لاتزال في طور النمو وأن الأطفال والمراهقين يستخفون بخطورة النيكوتين لأنه غير محظور ولأنه لايأبه بخطورة المواد المخدرة الأخرى. وفي دراسة مشابهة توصل الباحثون إلى أن البنات يدمن بسرعة أكبر مما يدمن الأولاد فقد استغرقت البنات ثلاثة أسابيع ليدمن في التدخين بينما الأولاد فقد أدمنوا خلال ستة أشهر من بداية التدخين.
وتشير الإحصاءات إلى تزايد عدد المدخنين بين الصبية والمراهقين في معظم أنحاء العالم رغم تزايد الوعي المجتمعي إزاء التدخين، وتصاعد حملات الوقاية ومكافحة التدخين سواء على الصعيد الحكومي أو الشعبي، أو في جهود الجهات والأجهزة المعنية بالصحة العامة أو البيئة.
وينصح الخبراء الآباء والأمهات بحماية المراهقين من إدمان التدخين، وتحقيق درجة عالية من الوقاية عن طريق:
1- في كثير من الأحيان يعبر المراهق عن تمرده بالتدخين، أو لينسجم مع الأصدقاء المدخنين، أو ليشعر بشكل أفضل تجاه نفسه، أو للشعور بالاستقلال، لذلك يجب أن يتعرف الأهل إلى الدافع الحقيقي الذي يدعو المراهق للتدخين، ومعرفة أصدقاءه من المدخنين، تعزيز خياراته الصحيحة، والتحدث إليه عن عواقب الخيارات الخاطئة.
2- من المتوقع ألا يصغي المراهق لنصائح الأهل، أو هكذا نتصور، ولكن يجب أن نقول له لا للتدخين، وأن التدخين ليس مسموحا به، فربما كان لهذا الرفض تأثيرا” أكبر مما تعتقد، ففي دراسة أجريت وجد أن المراهقين الذين يعتقدون أن أهلهم يرفضون التدخين أصبحوا مدخنين بنسبة أقل بمعدل النصف من أولئك الذين يعتقدون أن أهلهم لا يبالون.
3- التدخين أكثر شيوعاً بين المراهقين الذين يدخن احد والديهم او كلاهما، فإذا كنت مدخناً فاتركه الآن، واحصل على مساعدة لوقف التدخين، ولا تدخن في المنزل، او السيارة، او أمام الأبناء المراهقين، ولا تترك السجائر بمتناول أيديهم، واشرح لهم مدى عدم رضاك عن نفسك كونك مدخناً، وكم تجد صعوبة في ترك التدخين.
4- تحدث أمام المراهق عن سيئات التدخين، فهو قذر، ورائحته سيئة، ويمنحك رائحة نفس أسوء، ويجعل رائحة الملابس والشعر كريهة، ويصيب الأسنان بالإصفرار، ويسبب سعالاً دائماً، ويقلل من الطاقة والحيوية لممارسة أي نشاط رياضي او خاص بالشباب.
5- نبه المراهق إلى كلفة التدخين العالية، ودعه يحسب كلفته أسبوعياً، وشهرياً، وسنوياً، في حالة استهلاكه لعلبة واحدة يومياً، ويمكن عقد مقارنة لهذه التكلفة مع تكلفة بعض الالكترونيات التي تلفت نظره، أو الملابس، أو احتياجات المراهقين الأخرى.
6- يعتقد معظم المراهقين أن بإمكانهم ترك التدخين في أي وقت شاءوا، لكنهم في الواقع يدمنون النيكوتين كما يدمن البالغون، بسرعة وبعد جرعات بسيطة من النيكوتين، وعندما يقع المراهق في شرك الإدمان يصبح من الصعب التخلص منه، فالمراهق الذي دخن عشر سجائر على الأقل ويرغب بالإقلاع عنه، يعجز عن فعل ذلك.
7- يفترض المراهقون أن الأشياء السيئة تحدث فقط للأشخاص الآخرين، لكن العواقب المترتبة على التدخين على المدى الطويل مثل: السرطان، والجلطات، والنوبات القلبية، وأمراض التنفس، ستصبح أمرا واقعاً، وستزيد معدلات الإصابة عندما يصبح المراهق المدخن بالغاً، على هذا الأساس؛ من المفيد التحدث عن معاناة أصدقاء وأقارب تعرضوا للمرض كأمثلة حية.
8- يعتقد الكثيرون خطأ أن الأشكال الأخرى للتدخين: كالنارجيلة، والسيجار، وغيرها، اقل ضرراً، ولا تسبب الإدمان كالسيجارة التقليدية، فلا تدع ابنك يخدع بهذه المقولات الخاطئة، فكل هذه المنتجات تسبب الإدمان، والسرطان، ومشاكل التنفس، وبعضها قد يحتوي على تركيز أكبر من النيكوتين، وأول أكسيد الكربون، والقطران، من السجائر العادية.
10- شارك بفعالية في الحملات الإعلامية ضد تدخين المراهقين، وشجع تنظيم فعاليات تربوية ضد التدخين في المدرسة، وادعم منع التدخين في الأماكن العامة.
أما إذا كان المراهق قد بدأ فعلا بالتدخين، فتجنب التهديدات والإنذارات النهائية، وبدلا من ذلك قم بتشجيعه ودعمه للتخلص منه، وحاول معرفة سبب تدخينه، ثم ناقش وسائل مساعدته على وقف التدخين، مثل مرافقة أصدقاء من غير المدخنين، والاشتراك بفعاليات ونشاطات رياضية جديدة، فتوقفه عن التدخين هو أفضل ما يمكنه عمله للحفاظ على صحة جيدة مدى الحياة.
56% تأثروا بالتدخين عن طريق الإعلانات التجارية ووسائل الإعلام المختلفة
– تؤكد دراسة منشورة أجراها الدكتور جيمس سارجنت أستاذ الطب النفسي في دارتماوث البريطانية 2007، عدداً من النتائج الهامة:
? المدخن قد يصاب بالإدمان على مادة النيكوتين الموجودة في التبغ خلال ايام بسيطة من التدخين
? يحصل الإدمان بصفة مشابهة لحالات الإدمان على الهيروين والكوكايين
? التدخين يجعل الطفل او المراهق عرضة لادمان مواد اخرى كالهيروين والمارجوانا وغيرها من المخدرات
? يلجأ المراهق الى التدخين لاعتقادة ان ذلك قد يكون حلاً لبعض الضغوط النفسية او الاجتماعية او المرضية التي قد يتعرض لها كما ان وجود الفراغ في حياة الطفل من الأسباب المؤدية الى ذلك.
? العلامات المرضية للمدخن: السعال، تهيج الحلق، بحة، انخفاض الأداء الرياضي، تصبغ الاسنان واصفرارها، ضيق في التنفس، زيادة خطر متلازمة الوفاة المفاجئة، زيادة خطر الإصابة بالربو، زيادة خطر أمراض الجهاز التنفسي والالتهاب الرئوي والتهاب الشعب الهوائية، زيادة أمراض الأذن والأنف والحنجرة.
? تظهر الإحصاءات أن واحداً من كل عشرة أطفال ما بين عمر 11-15 سنة يدخنون بانتظام سيجارة واحدة على الأقل في الأسبوع وهو ما يمثل 12 في المائة من الفتيات وتسعة في المئة من الفتيان.
? النيكوتين يؤدي الى حالة عالية من الادمان. ورغم أن نصف المدخنين الشبان من أعلى الفئات الاجتماعية والاقتصادية والمثقفة الا ان الإقلاع عن التدخين قد لا يتم قبل سن الثلاثين.
تشير الدراسة إلى أن نحو 1 في كل 6 أولاد، و1 في كل 4 من الفتيات المدمنين للتدخين هم تحت سن 15.
– الطفل أو المراهق هو عرضة للتدخين بثلاثة أضعاف إذا كان والديه من المدخنين.
– في بريطانيا يحظر على أي مراهق يقل عمره عن 16 عاماً شراء السجائر ولكن رغم ذلك الحظر فان نصف المراهقين المدخنين ينجحون في شراء هذه السجائر تحت هذا العمر تلي ذلك تحركات تدعو الى التشديد على بيع تلك السجائر كما اتخذت تحركات إيجابية من الحكومة البريطانية لرفع السن المسموح به لبيع تلك السجائر بحيث يصبح الحد الأدني للسن المسموح به لشراء السجائر 18 سنة بدلاً من 16 سنة.
– يتأثر الأطفال المراهقون بأقرانهم المدخنين بشكل اكبر من والديهم.
-البدء في التدخين هو عملية تنطوي على كثير من المشاكل الاجتماعية والصحية على الطفل او المراهق المدخن وأسرته.
-من المطمئن أن الغالبية العظمى من المدخنين اصبح لديهم الوعي الصحي الكافي عن مضار التدخين عليهم وعلى اسرهم وهو ما دفع البعض الى محاولة الاقلاع عن التدخين بشكل جدي.
قد يتعرض الطفل الى سجائر التدخين خلال تواجده في أسرة قد يكون أحد او كلا الوالدين مدخناً وهذا ما يجعل الطفل «مدخناً سلبياً» وهو ما لا يقل خطورة عن ضرر التدخين عن المدخن نفسه، وهذا الانطباع قد يكون سبباً لجميع الآباء والأمهات الى توخي الحذر على انفسهم وعلى صحة أطفالهم وترك تلك العادة.
الإعلان عن التبغ والترويج له عبر وسائل الإعلام لهما تأثير هام على سلوك الأطفال. فالإعلان يخلق ويدعم الانطباع لدى الطفل بأن التدخين يشكل قاعدة مقبولة اجتماعياً، وعمليات المسح والدراسة تبين أن الأطفال يميلون إلى تدخين الماركات التي يرونها خلال الدعايات التجارية.
56% من غير المدخنين تأثروا بالتدخين من خلال الإعلانات التجارية عبر وسائل الإعلام المختلفة.
الأم الحامل المدخنة تعرض جنينها لمخاطر صحية بالغة خاصة في الثلاثة الأشهر الأولى من الحمل وهي مرحلة تكوّن الأعضاء عند الجنين.
كيف يتعرف الآباء والأمهات على العلامات المبكرة لتورط أحد الأبناء بالتدخين؟
ـ تشير الإحصاءات إلى تزايد عدد المدخنين بين الصبية والمراهقين رغم تزايد الوعي المجتمعي إزاء التدخين، وتصاعد حملات الوقاية ومكافحة التدخين سواء على الصعيد الحكومي أو الشعبي، أو في جهود الجهات والأجهزة المعنية بالصحة العامة أو البيئة.
ويتساءل كثير من الآباء والأمهات عن كيفية التعرف على علامات تورط أحد الأبناء المراهقين باكتساب عادة التدخين أو العلامات المبكرة للتورط في شلة من الأصدقاء يتناولون نوعاً من المخدرات واحتمالية مشاركة الابن لأصدقائه في التعاطي من خلال جملة من العلامات أو التغيرات الشخصية أو السلوكية.
بداية نود أن نشير ونؤكد أنه ليس بالضرورة أن يكون الإبن متورطاً في تعاطي المخدرات – لا قدر الله – إذا تكاسل يوماً عن الذهاب إلى المدرسة أو إن تأخر يوماً في العودة إلى البيت أو أن بدر منه سلوك أو انفعال طارئ. إنها فقط علامات تؤكد بعضها البعض، وتؤكد أهمية المتابعة الجادة لأبنائنا، ومحاولة سبر أغوارهم وتفهمهم عن قرب وإقامة جسور الحوار والعلاقة الإيجابية القائمة على الثقة والصراحة، والدعوة إلى مزيد من التقرب إلى جيل الأبناء وتفهم مشكلاتهم وطريقة تفكيرهم وفهم الآباء لطبائع وتصرفات أبنائهم فهماً حقيقياً وموضوعياً وفهم أي تغير يطرء على تصرفاتهم وسلوكياتهم منذ وقت مبكر وبمجرد حدوثه دون انتظار أو إهمال حتى تستفحل المشاكل وتصبح الحلول صعبة أو مستحيلة، وما نود أن نضيفه هنا إلى جيل الشباب المراهقين، والآباء معاً إزاء ظاهرة تعاطي المخدرات بشكل عام، إنها لم تعد مجرد مزحة أو تجربة عابرة، أو وسيلة للمتعة، بل أصبحت حرباً من الحروب التي تستهدف تدمير الشباب بشكل سهل ويسير ودون متاعب وعبر طرق ووسائل سهلة وميسورة أيضاً بين أوساط الصبية والشباب والمراهقين، ومن خلال طرق يبحثون هم من خلالها إلى أن يتورطوا في براثينها.
إن الدراسات والأبحاث العلمية في مختلف بلدان العالم التي أجريت على مدمني المخدرات ومتعاطيها قد أكدت عدة حقائق لا ينبغي أن نغفلها، وعلى الشباب أن يعوها جيداً، فقد أثبتت هذه الدراسات أن أكثر من 80 في المئة ممن أدمنوا المخدرات لم يكن لديهم تصور واضح وفهم دقيق لما يمكن أن تؤول إليه حالتهم الصحية والنفسية والاجتماعية والمادية وجميع أوجه حياتهم من تدهور وتردي وانحطاط بالشكل الذي هم عليه الآن قبل تعاطيهم المخدرات لأول مرة، وأنهم جميعاً نادمون على تجربتهم الأولى ندماً كلفهم حياتهم، وإذا ما أعاد الزمان بهم إلى الوراء لأمتنعوا عن تلك التجربة المريرة.
كما أشارت الدراسات أيضاً إلى أن نسبة ما يزيد عن 72 في المئة منهم في أكثر من دراسة تعاطوا المخدرات لأول مرة ودخنوا السجائر من باب حب الاستطلاع وتقليد الكبار أو رغبة في الإحساس الزائف بالرجولة، أما الباحثون عن المتعة الزائفة فتمنوا جميعاً خلاصهم من هذا الداء المدمر وإن كانوا قد اعترفوا بأنه شبه مستحيل.
والحقيقة الأليمة التي لا يعرفها المراهقون والشباب أن علاج الإدمان نوع من الوهم، إذ أن التجارب العلاجية في أحسن المراكز العلاجية تقدماً في أي رقعة من العالم والتي تستخدم أحدث الوسائل والطرق العلمية والمنهجية لم تتعد نسبة 2 في المئة من النجاح، إذ يظل مريض الإدمان أسير إدمانه طوال حياته ومعرضاً للانتكاسة المرضية والعودة إلى التعاطي في أي لحظة، وما الجهود التي تبذل في أي من مراكز علاج الإدمان في العالم ما هي إلا أساليب علاجية تستهدف انقطاع المدمن عن التعاطي أطول فترة ممكنة. ان الاقتراب من هذا الطريق الوعر وحب الاستطلاع والتقليد الأعمى فيه يؤدي حتماً إلى مصير مجهول لا يجد الشخص نفسه فيه إلا بقايا نفس وجسد وعواقب وخيمة، وما الشروخ التي يحدثها هذا الوباء المدمر في جوانب الشخصية لا تلتئم ولا تعود لسابق حالها بأي حال من الأحوال.. لذا نقول للشباب انتبهوا!!
أما إذا كان الأمر في بدايته فإنني أدعو الآباء والأبناء إلى سرعة تدارك الأمر بالمصارحة والمكاشفة، وأن تعذر على الطرفين إيجاد الحلول العملية فعليهما سرعة الاستعانة بالمختصين، وليس هناك عيب أو حرج في ذلك، فقد يحتاج الأمر إلى تدخل علاجي سريع سواء على الصعيد النفسي أو الاجتماعي، فإن ما يدرك اليوم لن يدرك غداً وقبل أن تتدهور الأمور وتصل إلى حالة يصعب التعامل معها، وإذا كان بعض الصبية أو المراهقين في مراحل “الغزل” مع أي من هذه الأوبئة فعليه أن يفيق إلى رشده قبل فوات الأوان.
المصدر: جريدة الاتحاد – أبوظبي