الحمير تعلن النفير – الحلقة الثانية .
ساخر سبيل - العدد 108 ص 14 - تأليف : د. عبد القادر فارس.
نستكمل اليوم الحلقة الثانية من سلسلة : الحمير تعلن نفير
تأليف : د. عبد القادر فارس- هاملتون .
وهي بعنوان … ذكاء الحمير!!!
قرر كبير الحمير في دولة الشيخ الأمير , عقد لقاء مضاد , للرد على مؤتمر عقده بنو البشر , تم خلاله وصم الحمير بصفة الغباء , وتم توجيه دعوه لأتباعه من الرعية الحميرية , لحضور اجتماع طارئ وعاجل , لبحث بعض القضايا التي تهم عشيرة الحمير , بعد أحداث هامة جرت خلال الفترة الماضية. تم وضع عدد من النقاط للدراسة والتشاور والبحث , للخروج ببرنامج عمل لمستقبل الحمير في البلاد , وكانت النقطة الأولى والرئيسية على جدول الأعمال , رفض وصف الحمير بالغباء , والثانية استغلال طيبة الحمير وصبرها وتحملها , أما النقطة الثالثة , فتمثلت المطالبة بضم طائفة البغال إلى عشيرة الحمير , في حين أن النقطة الرابعة , ركزت على دعوة الحمير البرية من جماعة الحمار الوحشي للانضواء تحت جماعة الحمير الأليفة , أما النقطة الخامسة , فكانت البحث في جريمة بعض الجزارين بالإقدام على ذبح الحمير , وجعلها كفتة وكباب , للأصحاب والأحباب , للأغبياء الفقراء منهم والأغنياء, على حد سواء , والنقطة الأخيرة والهامة , البحث في وصول حمار إلى الإمارة في دولة جارة , بعد فوزه بأغلبية ساحقة على كافة المرشحين من “البني آدمين”. افتتح المؤتمر العتيد , بعد انتخاب رئاسة الجلسة , التي تشكلت من حمارٍ عتيق له خبرة في التوثيق والتدقيق , وكُرٍ صغير ممثلا للجحوش وصغار الحمير , وحمارٍ قبرصي ممثلا للجاليات المغتربة , وبعد تثبيت العضوية , تمت الموافقة على جدول الأعمال بالأغلبية , وضرب جميع الحضور بأرجلهم قاعة الاجتماع , في ايقاع جميل , كأنها رقصات على أنغام النهيق. في البداية اعطيت الكلمة لكبير الحمير , لعرض ودراسة جدول الأعمال , وبعد حوار ونقاش وجدال , وشد وجذب وصل إلى حد العراك ,الاشتباك , والرفس والضرب , وبعض محاولات الانتحار , بشأن نقطة وصف الحمير بالغباء , تقرر عرض اقتراح للتصويت , برفض وصف الحمير بالغباء , والاعلان أنها من أذكى المخلوقات , وتم التصويت بالإجماع على الاقتراح , وتم نعت كبير الحمير بـــ ( الحمار الذكي ) , واطلاق اسم : ” ذكاء الحمير ” على الاجتماع الأثير. انتقل الجميع بعد هذا الانتصار الباهر , لدراسة النقطة الثانية , وموضوعها استغلال طيبة الحمير وصبرها وتحملها , فقدم أحد الحضور اقتراحا بتشكيل نقابة خاصة بها , تتم من خلال تحصيل الحقوق , ورفض الاستغلال والعقوق , من البشر وبني الانسان , ووضع تشريع يخصها بشكل واضح ضمن حقوق الحيوان , وتمت الموافقة على الاقتراح بالنهيق والزعيق , والزغاريد والتصفيق . بعد ذلك تم الانتقال للنقطة الثالثة , وذلك للمطالبة بضم فصيلة البغال إلى عشيرة الحمير , فقدم كبير الحمير تبيان السبب وراء ذلك , مؤكدا أن والد البغل هو الحمار وأمه الفرس , ولذلك يجب نسب الولد لأبيه , كعادة أغلب الأمم والشعوب , بخلاف “بعض الطوائف التي تنسب الولد لأمه , فتمت الموافقة بدون معارضة. أما النقطة الرابعة , التي احتدم فيها النقاش والجدال , ولاقت معارضة الكثيرين , لضم الحمار الوحشي , لطائفة الحمار الأنيس والأليف , صديق الانسان في كل مكان , حيث تم رفض الاقتراح بالأغلبية , إلا إذا تقدمت طائفة الحمار الوحشي , بطلب رسمي , وبخطاب استعطاف , حتى يتم القبول . أما فيما يخص النقطة الخامسة , والخاصة بذبح وبيع لحوم الحمير , فقد لاقت استنكار الجميع , وأعلن الحضور ضرورة شن حرب على الجزارين الذين يستغلون طيبة الحمير, وشن هجوم عليهم لترهيبهم وتأديبهم , بالرفس والعض والتنكيل, , مؤكدين أن استمرار هذه الجريمة , سيؤدي إلى انقراض عشيرة الحمير , وهنا تقرر التقدم بشكوى للشيخ الأمير, تدعوه إلى تشريع وتقنين , يؤكد على تحريم لحم الحمير , وطلب الحماية والتأمين , من جرائم الجزارين. أما النقطة الأخيرة , والمتعلقة بانتخاب احد الحمير أميرا في دولة مجاورة , فقد دار فيها نقاش حاد بين الحضور , بين مؤيد ومعارض , وبين من يغار من ذلك الحمار , وبين من فرح له وغبطه لهذا الفوز غير المسبوق , وانتهى النقاش بالتأكيد على أن فوز حمار بالإمارة , ولو في دولة جارة , هو انتصار لجميع الحمير, وبروز لملامح العصر الحميري , متمنين أن يسود العالم عصرها , بعد هذا النجاح الباهر لمؤتمر ” ذكاء الحمير ” !! ( 3 ) مذكرات حمار !! بعد تمحيص وتفكير , قرر كبير الحمير أن يكتب يومياته في مذكرات , لتبقى عبرة ودروسا , يُدوِّن فيها ما مر به من أحداث في حياته , لتكون تذكرة لباقي الحمير , ممن لا يحسنون التدبير , في زمن بات كل شيء فيه يخضع للتغيير , بعد ربيع البغال والحمير في كثير من البلاد , حيث طالبوا بأكل ما لذ وطاب , من الكرز والعنب والعناب , بدلا من التبن والبرسيم والشعير. جلس كبير الحمير إلى جهاز الكمبيوتر , بعد أن أخذ دورة عند صديقه ” البغل ” الذي تربطه به صلة قرابة , في مؤسسة ” مايكرو- زفت” لتعليم أصول الطباعة , ولأن الحمير من طبعها الطاعة , فقد تمكن كبيرهم من استيعاب دروس الكمييوتر جميعها في أقل من نصف ساعة , ولأنه سريع الفهم , فقد شحذ ذاكرته , بعد أن شحنها كهربائيا , بوضع كابل سميك من أسلاك الكهرباء , التي كان يستخدمها الانسان في عقاب الحمير عند أي ” إحران ” أو ذنب , في مؤخرته تحت الذنب , وبعد أن امتلأ بالكهرباء , المفقودة هذه الأيام في الكثير من البلدان , أخذ في تسجيل مذكراته حيث قال : -منذ أن كنتُ جحشا صغيرا , ووالدي المسكين يوصيني بأن أكون خادما مطيعا للأمير , وللرعية أجمعين , من الكبير إلى الصغير , وقد شاهدت والدي وهو يؤدي الأعمال الشاقة بحراثة أرض الزعيم , المزروعة بكل الخيرات , ثم بعد أن تطيب , يحملها إلى الأسواق , وهو أمام الحاجب يساق , بالسوط والكرباج , دون استراحة في الطريق , ولا التفاف أو اعوجاج , ودون أن يتمكن من تذوق أي نوع من تلك الفواكه والخضار , فطعام الحمير ليس أكثر من التبن والشعير, وإذا لم يعجبه ذلك , سينال أشد العقاب , بالضرب على مؤخرته بالعصا الغليظة , وعلى راسه بالقبقاب , حتى يُسمع له على بعد مئات الأمتار نهيق و” ضريط ” , من كثرة الضرب والخبيط. تلك كانت مذكرات وذكريات كبير الحمير , عندما كان جحشا صغيرا , وهي التي ظلت عالقة في ذهنه , ولذلك عندما كبر واستفاق , قرر الانقلاب والثورة من أجل الانعتاق , بعدما شاهد ما يجرى حوله من ثورات, والتي أتت على الأخضر واليابس , وحرمت الحمير حتى من أكلة برسيم , وعندما حضر حاجب الأمير ليصطحبه في مشواره اليومي لقصر الزعيم , كان نصيبه رفسة قوية برجلي الحمار الخلفية , أودت به إلى حتفه المحتوم , والتي بعدها لن يقوم . بعد هذا الانتصار من كبير الحمير, خرج مزهوا , وقرر التوجه لهم بخطاب أثير , دعاهم فيه إلى التمرد على أوامر الأمير , والتوجه إلى قصر الزعيم لتوصيل رسالة مفادها , أننا لم نعد من أصحاب السمع والطاعة , وأنه من هذه الساعة , لا بد من المعاملة الحسنة للحمير , التي لا بد أن يكون لها نصيب من الحكم , بعد أن تم اختيار كبيرها , كزعيم وقائد حكيم وخبير , سيشارك في حكم البلاد دون تأخير . الأمير وقد راي هذا التغيير في مجتمع الحمير , قرر وعلى وجه السرعة أن يهرب من القصر , قبل العصر , وأن يتوجه إلى المطار , وعلى أقرب طائرة يطير , قبل ان تستولي الحمير على الحكم , وتطبق عليه الحكم بالإعدام سحلاً بذيل حمار. بعد أن استولت الحمير على قصر الأمير في عاصمة البلاد , تمدد حكمها إلى باقي المدن والقرى والأرياف والبلدات , وبدأت تتمتع بما بها من ملذات وخيرات , بينما كبيرها, يجلس على كرسي الامارة والرئاسة , يسجل ما حقق من امتيازات . وفي سكرة الانتصار الذي أنجزته الحمير, نسي كبيرها أنها تفتقر للكياسة , وتتمتع بكثير من الغباء والتياسة ,, فقد غلب على الحمير الكسل والملل , من قلة العمل , وركنت إلى هذا الحال , دون أن يخطر على بالها أي سؤال , بما هو معد لها في قادم الأيام , بعد أن سيطر عليها النعاس والنوام , واصبحت قوما من النيام , وبعدما أتخمها اللذيذ من الطعام . في هذه الأثناء , كان الأمير الهارب , يدبر أمرا للعودة إلى إمارته , وتحرير البلد من حكم الحمير , وبعد دراسة عميقة أقر البيان , وقرر الاستعانة بأقوى الجيران , ولو تقاسم معهم حكم البلاد , فاتفقوا معهم على الهجوم في يوم معلوم , وبينما الحمير في هناء وسبات , هاجمتهم أرتال القوات , برا وجوا بالدبابات والطائرات , موقعة فيهم القتلى والجرحى بالمئات . وهكذا سقط حكم الحمير , التي لم تحسن التفكير والتدبير , وعاد السلطة للأمير , الذي استعان بما في البلدان , بكل مستشار وخبير , وخاصة بعد العثور على كمبيوتر كبير الحمير , وما وجد فيه من أسرار وطلاسم الكلمات , التي كانت مشفرة بلغة الحمير , ولم يستطع فكها أي خبير , وهكذا ضاعت مذكرات كبيرها , وضاع معها حلمها بحكم البلاد والعباد , دون اذلال أو استعباد , من البشر لمجتمع الحمير !!.
****