اقتصاديات

كتب المهندس هاني آدم: هل تراجع أسعار الفائدة هو المفتاح لإحياء سوق العقارات؟

عايش سبيل - ص10- العدد الشهري 150.

هل تراجع أسعار الفائدة هو المفتاح لإحياء سوق العقارات؟
كتب المهندس : هاني آدم ميسيساغا- اونتاريو.

في ظل التحديات الاقتصادية العالمية التي تمر بها الأسواق، يظل سوق العقارات واحدًا من أكثر القطاعات التي تتأثر بشكل مباشر بتقلبات أسعار الفائدة. في كندا، ومع انخفاض أسعار الفائدة تدريجيًا منذ منتصف عام 2024، بدأ الحديث يزداد حول مدى قدرة هذا الانخفاض على إحياء السوق العقاري، الذي شهد تباطؤًا ملحوظًا خلال الأعوام السابقة. لكن، هل يكفي انخفاض أسعار الفائدة وحده لإعادة الزخم إلى السوق؟ أم أن هناك عوامل أخرى تلعب دورًا رئيسيًا في تحديد مسار السوق العقاري؟
أسعار الفائدة وتأثيرها على السوق العقاري: لا شك أن أسعار الفائدة هي واحدة من أهم العوامل المؤثرة في سوق العقارات. فهي تحدد تكلفة الاقتراض بالنسبة للمشترين وتؤثر بشكل كبير على قراراتهم المالية. عندما بدأت أسعار الفائدة بالارتفاع في عام 2022، من مستوى منخفض بلغ 0.25% إلى ذروة وصلت إلى 5% في منتصف عام 2023، شهد السوق العقاري تباطؤًا حادًا. هذا الارتفاع أدى إلى إلغاء العديد من المشاريع العقارية الجديدة، وتراجع في أسعار المنازل، وانخفاض ملحوظ في عدد المعاملات العقارية.
لكن منذ منتصف عام 2024، بدأت أسعار الفائدة في الانخفاض، حيث خفض بنك كندا المركزي سعر الفائدة تدريجيًا ليصل إلى 3% بحلول يناير 2025، وهو أدنى مستوى له منذ سبتمبر 2022. هذا التراجع أعاد الأمل إلى السوق العقاري، حيث بدأت تظهر علامات انتعاش تدريجي.
وفقًا لتقرير هيئة الإسكان الكندية (CMHC)، فإن انخفاض أسعار الفائدة قد ساهم بالفعل في زيادة الطلب على المنازل، خاصة من قبل المشترين لأول مرة. كما أوضح التقرير أن مبيعات المنازل في بعض المناطق مثل ألبرتا وكيبيك قد وصلت إلى مستويات تاريخية، بينما بدأت الأسعار في الارتفاع مجددًا في الأسواق الميسورة مثل تورنتو وفانكوفر، وإن كان بوتيرة أبطأ.
طلب مؤجل ينتظر الفرصة المناسبة: أحد العوامل التي تشير إلى إمكانية انتعاش السوق العقاري هو وجود طلب مؤجل من قبل المشترين. كما أوضح كيفن هيوز، نائب كبير الاقتصاديين في هيئة الإسكان الكندية، فإن العديد من المشترين كانوا يخططون لشراء منازل قبل جائحة كورونا، لكن الظروف الاقتصادية غير المستقرة وارتفاع أسعار الفائدة أجبرتهم على تأجيل قراراتهم.
الآن، ومع انخفاض أسعار الفائدة، بدأ هؤلاء المشترون في العودة إلى السوق، مما أدى إلى زيادة الطلب على المنازل، خاصة في السوق الثانوية. يقول هيوز: “هذا الطلب المؤجل يشمل مجموعة متنوعة من المشترين، من الشباب الذين يبحثون عن منازلهم الأولى إلى الملاك الذين يسعون إلى الترقية أو التقاعد.”
وأشار إلى أن المشترين يفضلون السوق الثانوية نظرًا لتنوع الخيارات والأسعار الأقل مقارنة بالمنازل الجديدة. ويُتوقع أن يستمر هذا الطلب في النمو خلال العام 2025، خاصة إذا استمرت أسعار الفائدة في الانخفاض.
التحديات التي تواجه السوق العقاري: على الرغم من التأثير الإيجابي لانخفاض أسعار الفائدة، فإن السوق العقاري يواجه تحديات كبيرة لا يمكن تجاهلها.
ارتفاع تكاليف البناء: واحدة من أكبر المشاكل التي تواجه السوق هي الارتفاع الكبير في تكاليف البناء. منذ عام 2022، ارتفعت تكاليف المواد الخام، إلى جانب نقص العمالة في قطاع البناء، مما أدى إلى زيادة تكاليف تطوير المشاريع العقارية.
كما أن الرسوم الحكومية المرتفعة، مثل رسوم التطوير العقاري في منطقة تورنتو الكبرى، تُشكل عائقًا كبيرًا أمام المطورين العقاريين. وفقًا لتقرير جمعية بناء المنازل في أونتاريو، ارتفعت رسوم التطوير بمقدار 42,000 دولار لكل وحدة سكنية منخفضة الارتفاع و32,000 دولار لكل وحدة مرتفعة الارتفاع منذ عام 2022. هذه التكاليف الإضافية يتم تحميلها في النهاية على المشترين، مما يجعل المنازل الأقل تكلفة بعيدة المنال بالنسبة للكثيرين. يقول ريتشارد ليال، رئيس مجلس البناء السكني في أونتاريو: “الرسوم المرتفعة تؤثر بشكل غير عادل على المشترين ذوي الدخل المنخفض، مما يجعلهم الأكثر تأثرًا بهذه التكاليف.”
نقص المعروض من المنازل: عامل آخر يؤثر على السوق هو نقص المعروض من المنازل. في حين أن الطلب على المنازل قد بدأ في الارتفاع، فإن العرض لا يزال محدودًا. وفقًا لتقرير هيئة الإسكان الكندية، فإن عدد المشاريع العقارية الجديدة التي تم إطلاقها في عام 2024 كان أقل بكثير من المتوسط السنوي، مما يعني أن السوق قد يواجه صعوبة في تلبية الطلب المتزايد.
السياسات الحكومية وتأثيرها على السوق: بالإضافة إلى أسعار الفائدة، تلعب السياسات الحكومية دورًا كبيرًا في تحديد مسار السوق العقاري. من المتوقع أن يكون للانتخابات الفيدرالية المقبلة تأثير كبير على السوق، حيث يتوقع العديد من الخبراء أن يتم التركيز على سياسات الإسكان كجزء أساسي من الحملات الانتخابية. بعض السياسات التي يمكن أن تسهم في تحسين السوق تشمل تخفيف اختبارات الإجهاد للمقترضين، وتمديد فترات السداد، وتقديم حوافز ضريبية للمشترين لأول مرة. لكن في الوقت نفسه، هناك مخاوف من تأثير العوامل الخارجية مثل الرسوم الجمركية التي قد تفرضها الولايات المتحدة على السلع الكندية. هذه الرسوم قد تؤدي إلى زيادة تكاليف البناء، مما يعوق جهود تحسين المعروض السكني.
نظرة تفاؤلية للمستقبل: على الرغم من هذه التحديات، هناك أسباب للتفاؤل بشأن مستقبل السوق العقاري في كندا. تاريخيًا، أثبت السوق قدرته على التكيف مع الأزمات. ففي الثمانينيات، عندما كانت أسعار الفائدة تصل إلى 18%، استمر الناس في شراء المنازل. واليوم، مع انخفاض أسعار الفائدة وزيادة الاهتمام بالاستثمار في العقارات، يبدو أن السوق مستعد لاستعادة قوته تدريجيًا. كما أن الانخفاض المستمر في معدلات التضخم، إلى جانب سياسات حكومية داعمة، يمكن أن يساهم في تحسين القدرة الشرائية للمشترين وزيادة النشاط العقاري.
ختامًا: نحو سوق عقاري أكثر استقرارًا: بينما لا يمكن إنكار أهمية انخفاض أسعار الفائدة في تحفيز السوق العقاري، إلا أن الحلول طويلة الأمد تتطلب معالجة التحديات الهيكلية التي تواجه القطاع. من الضروري أن تعمل الحكومة والمطورون معًا لتقديم حلول مبتكرة تُخفف من تكاليف البناء وتحسن من توافر المنازل بأسعار معقولة. بالتزامن مع ذلك، فإن استمرار انخفاض أسعار الفائدة يمكن أن يعيد الثقة إلى السوق ويشجع المزيد من المشترين على الاستثمار في العقارات. ومع وجود طلب قوي مؤجل واستعداد السوق للتكيف مع التحديات، يمكننا أن نتوقع عامًا أكثر إشراقًا لسوق العقارات في كندا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
إغلاق
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock